صحيفة النهار اللبنانية - 2001
 

  الملتقى التربوي": لفتح قابلية التعليم والتعلم

  اسمه "ملتقى" اسم متواضع وجميل هو إطار يلتقي فيه سنويا معلمون ومديرو مدارس ومنسقو مواد واختصاصيون في العلوم التربوية ليتداولوا في تجاربهم.

"ملتقى" يجمع بين بشر وبين امور كثيرة، بسيطة وجوهرية، بدأ من دون ادعاء ببضعة أشخاص في الاردن، يجتمعون ليتداولوا في سبل تحسين أدائهم. يتشاركون التجارب الجديدة التي قاموا بها خلال السنة، يتشاركون أسئلتهم وأجوبتهم وقراءاتهم وقلقهم ومشاريعهم، ضمن ورش عمل حول مواضيع معينة.

موعد سنوي، يشكل من دون تصريح شبكة في ما بينهم، يدعم عملهم، يعطيه بعدا جماعيا، يدخلهم من دون ان يدروا ثقافة التعلم المستمر، يكون ثقافة تربوية يعطي مهنتهم معنى. لقاء يحفزهم طوال السنة، فهم سوف يلتقون في موعد محدد زملاءهم ويقدمون شيئا من تجربتهم.

لقاء يأتون اليه بلذة، فهم سوف يلتقون أشخاصا اصبحوا على مر السنين أصدقاء لهم، وسوف يكونون صداقات جديدة. سوف يلتقون ويضحكون ويسهرون ويتبادلون أرقام الهواتف وعناوين المنازل والكتب. سوف يتكون بينهم تواطؤ جميل هو من الهدايا التي تقدمها الحياة احيانا. تواطؤ يوجده مشروع مشترك. هم يلتمسون من خلال هذا اللقاء غير المدعي أمور جوهرية. يلتمسون معنى مهنتهم وقيمتها، وانهم ليسوا وحدهم في صفوفهم، فثمة صفوف اخرى في أماكن أخرى يعيش فيها المعلمون القلق نفسه والتساؤل نفسه والفرح نفسه. هذا اللقاء يكون ايضا، وبشكل غير مباشر، اطارا لمرصد حول نوعية التعليم وإطارا لمعرفة مكمن الضعف في المناهج وطرائق التعليم انطلاقا من خبرة مطبقيها، بما يسمح بتطويرها.

خلال هذا اللقاء يشعر المشاركون بأمر غريب، يشعرون بأنهم في عائلتهم، كأنما الانتماء إلى قيم مشتركة والى مشروع مشترك يولد قربى بين الناس هي بقوة روابط الدم، لا بل أقوي منها أحيانا.

على مر السنين اخذ عدد المشاركين يزداد وينضم إليهم أفراد من بلدان عربية أخرى، فاتسعت الشبكة وكبرت العائلة.

ليت هذا اللقاء يضم مدارس خاصة ورسمية، فأولادنا لا ينقسمون الى اولاد "خاصين" او "رسميين" ونحن نتقدم معا او نتراجع معا.

تحسين نوعية التعليم في بلداننا العربية شرط بقائنا، نحن العرب، على ارض البشر لا كمستهلكين سلبيين بل كمشاركين في بنائها.

تحسين نوعية التعليم يؤمن ديموقراطية التعليم، فهو يحد من التسرب المدرسي الذي تعلو نسبته في بلداننا العربية، وهو الذي يزود اولادنا المهارات التي تؤهلهم للمشاركة في مجتمع المعرفة هذا، حيث رأس مال البلدان هو مستوى أبنائها التعليمي. وتحسين نوعية التعليم وارد في جدول المؤتمرات الدولية التي تلزمنا وتحاسبنا ومنها المؤتمر الدولي للجمعية العمومية للأمم المتحدة حول الطفولة، الذي سوف يعقد في شهر أيلول.

ملتقى كهذا هو من السبل الممكنة المنال والفعالة لتحسين نوعية التعليم في بلداننا العربية. وهو من المقاربات التي تكون ثقافة تربوية عربية، والتي تدخلنا ثقافة التعلم المستمر. هو ايضا يعطي معنى ونكهة ومضمونا ومستقبلا لانتمائنا العربي ويبعدنا عن اللغة الخشبية التي تعيق تقدمنا. فالعروبة مشروع يشارك فيه كل منا بإتقان ما يقوم به. هذا التطلب هو العروبة التي ننتمي إليها.

ثمة تيار في الرسم، في بداية القرن، كان يقوم على تكوين الصورة من خلال جمع نقاط صغيرة. هكذا ملتقى "اطار"، يكون اللوحة، ويعطي بعدا لكل نقطة جديدة، لانه يجمعها بنقاط صغيرة عديدة أخرى، فيسمح لنا بان نرى "الصورة" وبان نرغب في تحسينها.

لنكثف مثل هذه الأطر ليصبح "بالفعل للمعرفة ومنتجين لهاتحسين نوعية التعليم" واقعا ملموسا يطال كل ولد على كل مقعد. لنلتق في مثل هذه الأطر ليكون "تحسين نوعية التعليم" يعني كل ما يحصل في الصفوف لفتح قابلية التعلم، ولتسهيله، ولتحويل اولادنا طلابا بالفعل للمعرفة ومنتجين لها.

حسن عبد الله - كاتب و شاعر