من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
 
القيم والتعليم: بلورة قيم من خلال التجربة والحوار

 توضيح القناعات الأساسية ومعاني بعض الكلمات

 لا بد في البداية من توضيح القناعات والمعاني التي أرتكز عليها في المقال.

 هناك نوعان من القيم، قيم ندّعيها وقيم نعيشها.  في حال توافقت المجموعتان (أي القيم التي ندّعيها والقيم التي نعيشها)، عندها لا توجد مشكلة.  أما في حال عدم توافقهما، فعندها ندخل عالم الزيف والرياء والتزوير – سواء أكان ذلك عن وعي منا أم عن غير وعي.

 في هذا المقال، عندما أستعمل كلمة "قيم" فإني أعني بها القيم التي نعيشها، أي التي لا نخالفها في أفعالنا وفي علاقاتنا وتعاملنا مع الآخرين وفي علاقتنا مع الطبيعة وفي مواقفنا العملية (أي التي نكون على استعداد لدفع ثمن من أجلها) ؛ هي المبادئ التي تحكم ما نفعله، وليس ما نقوله أو نفكر فيه (إلا إذا كان ذلك متوافقاً مع ما نفعله).  فأفعالنا هي المقرر الحقيقي للقيم التي نحملها ونعيش بموجبها.

 هذا لا يعني أن جميع القيم داعمة للحياة، إذ يمكن التمييز بين نوعين من القيم المعاشة.  فهناك قيم نعيشها ولكنها تمزق الإنسان من الداخل وتمزق النسيج الاجتماعي الروحي في المجتمعات وتلوّث الطبيعة.  وهناك قيم نعيشها وتبني "العالم الداخلي" للإنسان، وفي نفس الوقت تجدل النسيج الاجتماعي الروحي في المجتمع – باختصار، قيم تتمحور حول علاقات جميلة بين الناس وحول احترام الطبيعة بمعنى أنها لا تمسّها بأي طريقة تضرّ بالأجيال القادمة.  (من الجدير ذكره هنا أن أحد قيم الهنود الأميركيين الذين أبادهم الأوربيون هي الاهتمام بالجيل السابع، أي التساؤل دائما حول كيف يؤثر ما نفعله ونقوله ونفكر فيه على الجيل السابع من الآن – ما أروعها من قيمة!)

 هناك توضيح آخر هام.  إذا قلت مثلا أني لا أعتبر الربح قيمة، فإن ذلك لا يعني أنه غير هام أو يجب محاربته؛ وإنما أعني أنه يجب أن لا يكون المقرر النهائي بالنسبة لما أقوم به فعلاً.  فالذي يحدد مثلا فيما إذا كان الربح قيمة أم العلاقات الجميلة قيمة هو ما يحكم أفعالي في الحالات التي عليّ أن أختار فيها بين الاثنين.  فإذا اخترت أن "أدعس" على الناس ولا أكترث بما يحدث للطبيعة وأختار الربح، يكون عندها الربح هو القيمة التي تسيّرني.  أما إذا اخترت المحافظة على علاقات جميلة بين الناس والمحافظة على الطبيعة، مهما كان الثمن على المستويات الأخرى، عندها تكون العلاقات الجميلة بين الناس والمحافظة على الطبيعة هي القيم التي تحكم حياتي.  من هنا، ليست المشكلة فيما إذا كنا نحترم قوانين السوق في الاقتصاد أو لا نحترمها، وإنما في أن نسمح لقوانين السوق أن تكون المقرّر النهائي فيما نفعله.

 هناك أمر آخر بحاجة إلى توضيح.  عندما أتكلم عن علاقة الإنسان بالآخرين فإن ذلك يشمل العلاقة مع الذين ماتوا والذين لم يولدوا بعد، أي تشمل ما ندعوه بالتقاليد بمعنى عدم إهمال "التربة الحضارية الثقافية" التي يتغذى منها الناس، وعدم إهمال التاريخ الذي صنعوه والحكمة التي تراكمت عبر العصور؛ كما يشمل الأجيال القادمة بمعنى عدم القيام بأعمال تمسّ ما يدعم الحياة في المستقبل سواء أكان ذلك عن طريق تلويث الطبيعة أو الاستغلال غير المعقول لمواردها أو عن طريق تلويث العلاقات بين الناس.

يمكن أن نستنتج مما سبق أنه يمكن الحديث عن قيم حياتية، ولكن لا معنى للحديث أو الكتابة عن القيم بمعزل عن الممارسة والسياق المجتمعي بمختلف أبعاده.  كما أنه لا معنى للحديث عن قيم في السياسة وأخرى في التعليم وثالثة في الدين وأخرى في الاقتصاد أو في العلوم أو في المجتمع أو في الفنون … وكأن هناك مجموعات مختلفة من القيم في المجالات المختلفة، فذلك يؤدي إلى بلبلة فكرية تضيّع جوهر الأمور وتزجّ بنا في متاهات مثل المتاهات التي نجد أنفسنا فيها نتيجة تجزئة المعرفة إلى ما لا نهاية في الأنظمة التعليمية السائدة.  إن تجزئة القيم حسب المجالات المختلفة في الحياة هو مظهر آخر من مظاهر مدى استبطاننا ل"فيروس" التجزئة الذي يعشّش في ثنايا تفكيرنا.

إذا كانت، مثلا، قيمة المسؤولية إحدى القيم التي تحكم حياة شخص، فإن ذلك يعني أن الشخص يعيش تلك القيمة في مختلف نواحي ومجالات الحياة.  كذلك، إذا كانت قيمتا السيطرة والربح قيماً تحكم حياة شخص، فإن ذلك يعني أن الشخص يعيش هاتين القيمتين في مختلف نواحي ومجالات الحياة.  من الممكن بالطبع أن نسأل هذا الشخص أو ذاك أن يوضّح كيف يترجم هذه القيمة أو تلك في هذا المجال أو ذاك؛ في التعليم مثلا أو في السياسة أو الدين أو العلوم أو الاقتصاد.

سأختار قيمة الكرم كمثال لتوضيح ما أقوله.  والكرم قيمة عُرف بها العرب على مرّ العصور.  والكرم يعني إعطاء الآخرين ما لدينا دون مقابل، إذ أن كل ما نطمع فيه هو الإسهام في جدل النسيج الاجتماعي الروحي بين الناس.  وتظهر قيمة الكرم في أروع أشكالها في العلاقة مع الغريب، وليس فقط مع الصديق أو القريب.  يمكن أن نسأل: كيف نترجم قيمة الكرم في مجال التعليم، مثلاً؟  لعل أهم مظاهر الكرم في التعليم يكمن في الإصغاء، في إصغاء المعلم للطالب، أي في إعطاء وقته وأذنيه وقلبه للطالب.  معظم الذين سألتهم، وهم كثر، عن المعلمين الذين ما يزالون يتذكرونهم بودّ منذ أيام الدراسة، كان ما ذكرته الأغلبية قريبا مما يمكن تسميته بالكرم في علاقة ذلك المعلم بطلبته.

بناء على ما سبق، سوف لا أتحدث في هذه الورقة عن القيم بمعزل عن الأفعال والخبرات والمجموعات التي عشت وتعاملت معها أو بمعزل عن السياق الحياتي الذي عشناه معاً كمجموعات وعملنا فيه.  وبناء على ما سبق أيضاً، فإن القيم، مثلها مثل أي ناحية جوهرية أخرى في حياة الإنسان، لا يمكن تدريسها بالوسائل والمفاهيم والبنى السائدة في مجال التعليم، مثلا عن طريق مساقات وبرامج وامتحانات إلخ، إذ لا يمكن تحويلها إلى مهارات آلية، ولا يمكن تجريدها عن سياق حقيقي وعن علاقات الناس بعضهم ببعض، وعلاقتهم مع الطبيعة.  فتحويلها إلى مهارات وتجريدها عن التعامل والسياق يمسخها، ويسلبها روحها وجوهرها وتصبح بالتالي متناقضة مع ذاتها.  فالقيم ليست شعارات تُرفع أو أفكار تناقش وإنما قناعات تُترجَم من خلال تصرفاتنا وسلوكنا وتعاملنا مع الآخرين.  هي مبادئ متضمنة في أفعالنا وعلاقاتنا.

جاء في الإسلام "الدين هو المعاملة" وجاء على لسان المسيح عليه السلام: إذا قال أحدكم أنه يحب الله ولكنه يكره جاره فهو كاذب.  بعبارة أخرى، تؤكد العبارتان على أن المعيار هو علاقتنا مع الآخرين، كيف نعاملهم ومدى صدقنا معهم ومحبتنا لهم، أي أن الفاصل بين الواقع والادعاء بالنسبة للقيم يكمن في الأفعال وليس في الأقوال.  بالنسبة للنبي محمد وللمسيح، عليهما السلام، كان تركيزهما على الإنسان الصالح، الإنسان التقي، وليس على المواطن الصالح – كما تركز على ذلك الأيديولوجيات السائدة حالياً، بما في ذلك المناهج المدرسية والجامعية.  فولاء الإنسان الصالح هو للإنسان والطبيعة بمعنى أنه لا يفعل ما يمكن أن يضرّ بهما.  أما ولاء المواطن الصالح فهو لدولة حيث يمكن أن يقوم، بناء على أوامر من تلك الدولة، بما يتناقض مع مصلحة الإنسان والطبيعة معاً.  بعبارة أخرى، القيمة الأكثر جوهرية هي الأنسنة الصالحة وليس المواطنة الصالحة، إلا إذا كانت الأخيرة أصلا غير متناقضة مع الأولى.

القيم والتعليم

هناك مدخلان رئيسيان للتعلم.  المدخل الأول يبدأ بمنهاج، أهم ميّزاته أنه مجزّأ إلى مواضيع مشرذمة، وأنه يوضع في غياب المعلم والطالب (أهم طرفين في العملية)، وأنه ينتهي بامتحانات وعلامات، تعتمد على عملية غريبة ومريبة، ألا وهي وضع الطلبة على خط رأسي بحيث يحدد موقع الشخص، على ذلك الخط، قيمته.  [ربما يكون استعمال التفكير الكمي في هذا المجال هو أكبر إساءة عرفتها الرياضيات في تاريخها.]  وقد بلغ الوضع درجة عالية من اللامعقولية في السنوات الأخيرة، حيث يمكن أن تقبل جامعة طالباً حصل على معدل 89 مثلا بينما لا تقبل طالبا آخر حصل على 88,5 بحجة أنه غير مؤهل!  والمشكلة هنا أن معظم الناس يقبلون بذلك وكأنه يعكس حقيقة ما في الواقع.  أما المدخل الرئيسي الثاني للتعلم فهو الذي يعتبر التعلم جزءا لا يتجزأ من الحياة – بل أكثر من ذلك إذ يعتبر التعلّم مرادفاً للحياة.

إن الاختلاف الرئيسي بين المدخلين يكمن في القيم التي تحكم كلاً منهما.  فالقيم التي تحكم المدخل الأول يمكن تلخيصها بالفردية والمنافسة حول مكاسب شكلية ورموز لا قيمة حقيقية فيها، وبالسيطرة والتغلُّب على الآخرين. أي أن قيمة الشخص ترتبط بما يكتسبه من رموز وبمقارنته مع الآخرين حسب مقياس خطي عشوائي إلى حدّ بعيد.  وبسبب هذه القيم ينمو ويترعرع زيف فكري وعملي في مجال التعليم والمعرفة. إن غياب الأمانة الفكرية مرتبط عضوياً بالقيم التي تحكم حاليا التعليم والتنمية وإنتاج المعرفة ونشرها، بأشكالها السائدة.  فربط قيمة الإنسان برموز مرتبطة بفلك السيطرة وليس بما يحسنه فعلا (بالمعاني المتعددة لكلمة "يُحسن")، يؤدي إلى أن يحاول الشخص أو المؤسسة القيام بأي عمل يُكسبهم بعض الرموز.

أما القيم التي تحكم المدخل الثاني فيمكن تلخيصها بما يلي: الحياة هي البداية والموضوع والمرجع والمعيار.  أي عدم التناقض مع ما يدعم الحياة أو ما يحافظ على الطبيعة أو مع العلاقات الجميلة بين الناس.  وهذا يعني أن الكرم والشعور بالمسؤولية والعمل بموجبها، وأن ما يحدث لعالم الإنسان الداخلي أو للنسيج الروحي الاجتماعي الثقافي مع الآخرين، هي قيم أساسية ضمن هذا المدخل.  من هنا فإن العمل الذي يقوم به الشخص، والخبرة التي يكتسبها، يشكلان المادة الأساسية في عملية التعلم.  أي أن قيمة الشخص لا يعطيها "مسؤول أو خبير" ولا يقررها امتحان عشوائي وإنما من خلال ما يُحسن عمله في الحياة.  وهذه أمور لا وجود لها حاليا في العملية التربوية التعليمية بشكلها السائد.

هناك سؤال من الضروري أن نجيب عليه في وقت ما، ألا وهو: كيف ومتى تحوّل قياس قيمة الإنسان إلى رقم عشوائي والذي كثيراً ما يؤثر على حياة الشخص في المستقبل رغم أنه خالٍ من أي معنى، وكيف قبل الناس بعملية المسخ هذه؟!  ويكتسب السؤال أهمية أكبر في مجتمعات، مثل مجتمعنا الذي جاء على لسان أحد رواده في التعلّم، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قبل 1400 سنة: "قيمة كل امرئ ما يُحسن."  فحسب هذه العبارة، لا يتنافس الإنسان مع غيره بقدر ما يتنافس مع نفسه – إذا جاز التعبير.  فالتحسن نابع من داخل الشخص، وأساسه العمل الحسن في المجتمع، وروح العطاء، والجمالية والإتقان في العمل – وهي المعاني المتعددة لكلمة "يُحسن" في اللغة العربية.

القيم التي نمت وتبلورت لديّ عبر الثلاثين سنة الماضية

كان لحرب ال 1967 وقعٌ كبير عليّ وخاصة بالنسبة لإدراكي وعملي فيما يتعلق بالتعليم والتعلم والمعرفة.  كانت تلك الحرب أول مرة أعي فيها مدى الهوّة بين التعليم والواقع، ومدى بُعد المتعلم عما يجري حوله، وفوقه وتحته.  كان أول رد فعل لدي هو أن أقرأ ما كان مهملا ومطموساً في المدرسة والجامعة.  وقد كانت أول خبرة لي، أستطيع أن أقول أنها بدأت في خلق وعي لديّ حول مركزية القيم في الحياة، في مجالين: نشوء العمل التطوعي وتطوير تدريس الرياضيات، وكلاهما حدث في الضفة الغربية بفلسطين خلال عقد السبعينات.

بدأ العمل في المجالين بمجموعة صغيرة من الأشخاص.  وكان تركيزنا على ربط أقوالنا وأفكارنا بأفعالنا والسياق الذي نعيشه، أي بالحياة.  كان التركيز على استعادة قيمة الخبرة والسياق في التعلم، وعلى التعبير عن الخبرة والسياق.  كان التركيز على أهمية بناء "العالم الداخلي" للأشخاص وبناء النسيج الاجتماعي الفكري الروحي في المجتمع.  كذلك، بدأت المسؤولية تبرز كقيمة أساسية بمعنى أن يسأل الشخص أو المجموعة ماذا يمكن أن يفعلوه ومن ثم يقوموا بفعله.  هذه هي القيم التي بدأت بالتبلور من خلال العمل والحوار.  سأسهب بعض الشيء فيما يلي بالنسبة لعملي في تطوير تدريس الرياضيات في الضفة الغربية لتوضيح هذه الأبعاد والقيم.

بدأت الفكرة عندما كنت أعلّم في جامعة بيرزيت.  فكرنا عندها بإقامة دورات لمعلمي الرياضيات في المرحلة الثانوية في مدارس الضفة الغربية.  تقدمنا باقتراح إلى مدير التربية والتعليم في منطقة رام الله، وبدأ التدريب فعلا في صيف 1972.  في العام التالي أخذت إجازة من جامعة بيرزيت  وعملت مدة خمس سنوات في سلك التعليم كموجه مركزي للرياضيات ومدير لجميع دورات وورش العمل للمعلمين في الضفة الغربية.

كانت أول خطوة هي قيام 14 شخصاً من المهتمين بتدريس الرياضيات بتكوين مجموعة أسميناها "لجنة تطوير تدريس الرياضيات المدرسية".  وبدأنا بالاجتماع أسبوعياً من أجل وضع تصور للعمل وكيفية البدء فيه.  كانت مدة أول ورشة عمل ثلاثة أسابيع وضمت 214 معلما ومعلمة، كانوا يدرسون وينامون ويأكلون في الموقع.  كان أروع ما حدث في تلك الورشة وأكثره قيمة في رأيي هو ليس المحاضرات التي كنا نعطيها ولا المادة أو المناهج الجديدة التي ندرّسها وإنما النقاشات التي كانت تدور في كل مساء بين المشاركين حتى الساعات الأولى من الصباح.  كانت تلك أول مرة أعي فيها بشكل صارخ قيمة الحوارات الحرة التي يكون الدافع لها نابعاً من الذات، وليس امتحانا هزيلا أو جوا مبرمجا مثل ما يحدث غالباً داخل الصفوف.

أما بالنسبة للتطبيق في المدارس خلال السنة الدراسية التالية فقد كان أهم ما ميزها هو نشوء مجموعات محلية على مستوى كل لواء وعلى مستوى بعض المدارس.  وقد كانت تلك المجموعات تعمل على تنشيط وتفعيل العمل والقيام بنشاطات منوعة مثل لقاءات حوارية ومثل إصدار نشرات ومثل إنشاء نوادٍ للعلوم والرياضيات.  وعيت من خلال تلك التجربة قيمة المجموعات الصغيرة التي تتكون بمبادرات ذاتية، في أية عملية تطوير أو بناء.

بعد البدء بتطبيق المناهج الجديدة، بدأت أشعر بأن لذلك لمعانه ولكنه يفتقر كلياً، مثله مثل المناهج السابقة، إلى أي ارتباط بحياة الطلبة وخبراتهم وتساؤلاتهم وتجاربهم.  كان جزء من عملي كموجه مركزي للرياضيات زيارة المدارس في جميع أنحاء الضفة الغربية و"توجيه" المعلمين والطلبة.  بدأت أطرح فكرة إنشاء نوادٍ للعلوم والرياضيات في المدارس.  كان الحماس عاليا بين الطلبة وبعض المعلمين والمعلمات، وكان هناك سؤال يُطرح دوما عند عرض الفكرة: "كيف يمكن أن نبدأ وما هو موضوع النوادي؟"  كنت أجيب: "نبدأ بأسئلتكم، فهي الموضوع الرئيسي للنوادي.  تعالوا الأسبوع القادم، كلٌّ مع سؤال واحد على الأقل، سؤال حول الحياة وليس منقولا من كتاب.  فالعلم يبدأ بأسئلة وليس بإجابات جاهزة."  ما تبع ذلك كان من أجمل ما عشته وخبرته في حياتي في مجال التعليم.  بدأت النوادي بالنشوء في مدارس عدة ومواقع مختلفة.  وبدأ الطلبة في هذه المدارس بالعمل ضمن مجموعات صغيرة، تتكون بمبادرات ذاتية يجمعها اهتمام أو سؤال مشترك.  وبالرغم من أن العديد من المعلمين ذكروا أنه بدون علامات أو مكافآت من نوع ما فإن الحماس لن يستمر وأن الطلبة لن يصمدوا في العمل، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا.  واستمرت النوادي وانتعشت أكثر حتى أغلقتها السلطات الإسرائيلية.  هنا كان المعلمون يفكرون من خلال القيم السائدة، والتي تمثلت في هذه الحالة بإعطاء رمز لا علاقة له بالعمل نفسه.  كنت أقول للمعلمين: "إذا كان السبب في اهتمام الطلبة هو مثل هذا الرمز، فلا معنى لوجود النوادي."  كان التحدي هو في تغيير القيم التي نعمل بها في المدارس.  لقد أبرزت تلك التجربة قيمة الخبرات الحياتية والأسئلة الشخصية في التعليم والتعلم.

في نفس الوقت، بدأتُ بنشر مجلة حول تدريس الرياضيات، تلاها مجلة حول تعليم العلوم.  كان أحد أهم أدوار المجلة هو التواصل بين المجموعات المختلفة وإبقاء الصورة "الكلية" حياً رغم أنها تتعدّل باستمرار.  كانت المجلة تجسيداً لقيمة التواصل والتكامل وعدم الشرذمة والانعزال.

كانت تلك الفترة هي الفترة التي "اكتشفتُ" فيها رياضيات أمي الأمية.  علّمتني قيمة الإنسان الحقيقية عن طريق ما يُحسنه وليس عن طريق شهادات ومؤهلات أو وظائف رسمية.  كذلك، فقد كانت تجارب تلك الفترة الأساس الذي ألهمني في كثير مما قمت بعمله فيما بعد، سواء أكان ذلك بالنسبة لقيامي بتعليم الرياضيات للعمال الأميين في الجامعة أو لطلبة السنة الأولى فيها، عن طريق مساق تبلور لذلك الغرض، نتج عنه كتاب أسميته "الرياضيات في الاتجاه الآخر".

ثم كانت تجربتي كعميد للطلبة في جامعة بيرزيت مدة ثلاث سنوات، والتي عمّقت فيّ (من بين ما عمّقته) قيمة حركة الجسم والقيمة الجمالية في التعابير الفنية، وذلك عن طريق خلق نشاطات عديدة ومتعددة في الجامعة.

ثم جاءت الانتفاضة بعفويتها وحيويتها ومنطقها الذي كان مغايراً للمنطق السائد، مثلا عن طريق استعادة قيم نسيها الناس نتيجة القيم التي تبثها أجواء التعليم والإعلام وأيديولوجية الاستهلاك السائدة (لنتذكر أصل معنى كلمة "استهلاك" في اللغة العربية: طلب الهلاك)، ، مثل الصداقة والمحبة والتكافل والتحادث واللعب في الحارات والمشي في الجبال والسهول والوديان وشرب الماء والكرم والتنوع.  ولعل أهمّ بُعد للانتفاضة كان في استعادة الأمل والمسؤولية كقيمتين يعيشهما الناس في مختلف نواحي الحياة، والتي كان أحد مظاهرهما قيام كل شخص تقريبا بسؤال نفسه: "ماذا يمكنني أن أفعل؟"  وقد سألت نفسي هذا السؤال وقتئذ، كما سأله آخرون.  كنت في الجامعة وكانت مغلقة (كبقية الجامعات والمدارس بقرار من السلطات الاسرائيلية) وحاولت أن أفعل شيئاً ذا معنى ولكني وجدت الجامعة (مثلها مثل الجامعات عادة) غير قادرة على التأقلم مع ما يستجد حولها.  عندها قررت أن أترك الجامعة وأنشأت "مؤسسة تامر" والتي كان محورها كما جاء في بعض أدبياتها "استعادة التعلّم بعد أن صادره التعليم"؛ أو بعبارة أخرى، "تكوين أجواء تعلّمية".  وقد تمّ نشر كتيب عام 1995 بعنوان "التحدي الرئيسي: إنهاء احتلال العقول؛ الوسيلة الرئيسية: خلق أجواء تعلمية".  وقد كان (وما زال) من بين أهم وأشمل مشاريع المؤسسة حملة القراءة كمثال على خلق أجواء تسير وفق قيم مغايرة للقيم السائدة، مثل القراءة، والتأمل في الخبرات والتعبير عنها، وتشكيل مجموعات صغيرة تعمل على مشاريع وقضايا حياتية (والتي كانت قيمة الحوار إحدى المميزات الأساسية لهذه المجموعات)، والتواصل بين المجموعات المختلفة.  كانت هذه القيم وما زالت هي القيم الرئيسية التي تحكم الفكر والعمل في نشاطات الحملة.  كذلك، استعنا بشخصية مسرحية للأطفال، هي شخصية "نخلة الشبر"، كان قد أنشأها فنانان قبل الانتفاضة بقليل ولكنها توقفت بسبب الظروف.  وقد كان جزء أساسي من العروض في حملة القراءة هو قيام الأطفال بعرض ما يودون عرضه بعد عرض "نخلة الشبر"، وكانت عروض الأطفال تأخذ شكل حركة أو أغنية أو رقصة أو قصة أو شعر.  وجدنا أن التعبير المسرحي ربما يكون أقرب التعابير إلى قلوب الأطفال وأسهلها عليهم، حيث كانوا يقومون بها دون تدريب سابق؛ إذ أن كل ما كان ضروريا كما وجدنا هو فسحة خالية من أي حكم على الطفل، وجوّ تسوده روح العشرة.  كذلك، فقد استعملنا "جوازات سفر" للقراءة كوسيلة لتعميق بعض القيم مثل القراءة ذاتها ومثل الحفاظ على سجل لما يقرأه الشخص … …

في جميع هذه الحالات والمواقع، كان العمل تجسيداً لقيمٍ تبلورت مع الوقت، من خلال العمل والحوار.  ويمكن تلخيص هذه القيم فيما يلي:

العمل ضمن مجموعات صغيرة

مجموعات تتكون في مواقع مختلفة بمبادرات ذاتية، تختار ما تود القيام به، وذلك ضمن رؤيا مشتركة وقيم مشتركة وضمن شبكة من المجموعات التي تعمل ضمن تلك الرؤيا والقيم. كان هناك إلى جانب المجموعات، مجموعة من الأشخاص، ذو بنية مرنة جداً، دورها الرئيسي ليس السيطرة على العملية بل إبقاء الحوار حول العلاقة الديالكتيكية بين العمل والرؤيا قائماً وحياً، وإبقاء التواصل بين الأطراف المختلفة وبين المجموعات المحلية قائماً، والنظر إلى مختلف الأجزاء بكونها تشكل معاً كلاً متكاملاً، وضمان إبقاء الجو والعلاقات منعشة وملهمة.  كانت هناك فسحة واسعة لقيام الأشخاص في المواقع المختلفة بتشكيل مجموعات واختيار نشاطات.  لم يكن هناك دستور أو قوانين صارمة وإنما نوع من التفاهم المشترك، بما في ذلك الاتفاق على قيم ومبادئ، تحكم العمل.  أما ذلك الفهم المشترك والقيم المشتركة فقد كانت تنمو وتتبلور عبر العمل نفسه وعبر الحوارات.  لم تكن قيمة المشاركة شكلية ولم تكن شعاراً يُرفع في المناسبات ويمارس في أوقات متباعدة، مثل التصويت في اختيار لجنة أو في اتخاذ قرار، وإنما قيمة حقيقية بمعنى المشاركة الفعلية في عملية البناء على المستويات المختلفة بشكل يومي تقريباً.

 ربط المعرفة بالحياة

ربط الأفكار ومعاني الكلمات بالأفعال والسياق الحقيقي الحياتي الذي يعيشه الناس، ليس كما تفعل الكتب المدرسية والجامعية تحت عنوان مزيف مثل "تطبيقات عملية"، وإنما عن طريق التأمل فيما نعمله والتعبير عنه وإعطاء معان للكلمات التي نستعملها من خلال ربطها بخبراتنا وحياتنا، وعن طريق البناء على مستوى العالم الداخلي للشخص والنسيج الاجتماعي أو الروحي أو الفكري أو الفني أو الثقافي.  بعبارة أخرى، استعادة قيمة الحواس في التعليم والتعلم، واستعادة قيم أخرى أهملتها أو طمستها الأيديولوجية الاستهلاكية السائدة (والتي ذكرتها سابقا).

الأمل والمسؤولية الشخصية

تمثلت هذه القيمة بأن يسأل كل شخص (أو مجموعة) نفسه: " ماذا يمكن أن أفعل؟" وعدم الاكتفاء بذلك بل يقوم بفعله. أي أهمية أن يكون الدافع داخلياً لا يقرره أحد من خارج الشخص (أو  المجموعة).

 

"الملتقى التربوي العربي" و"قلب الأمور"

وأخيراً كان "الملتقى التربوي العربي" ومشروع "قلب الأمور" واللذان يعكسان مجموعة من القيم.  فيما يلي سأتكلم عن مشروع "قلب الأمور" كمثال للعمل ضمن قيم مشتركة … …

ملاحظة أخيرة – حول عنوان المقال:

شمل العنوان "بلورة قيم من خلال التجربة والحوار".  وهذا يعني بالضرورة أن ما جاء في المقال هو نتيجة خبرة معينة في موقع معين ونتيجة حوارات معينة.  وبالتالي من الضروري أن يقوم أشخاص آخرون بصياغة القيم كما تبلورت من خلال أعمالهم ومناقشاتهم وخبراتهم بحيث ينتج حوار حقيقي بين الصياغات المختلفة لينتج عنها وعي أشمل ورؤيا أوضح.  ومن الواضح أن هذه العملية لن تنتهي.

إذا سلخنا القيم عن الحياة والممارسة تصبح قامعة وتساعد في تعميق عملية الزيف القائمة، بل والمتزايدة في عصرنا الحاضر.  كذلك، إذا أخذ اهتمامنا بها شكل مساقات في المدارس والجامعات، فإننا نساعد أيضاً في عملية التزييف والدخول مرة أخرى في فصل القول عن العمل والاكتفاء بالادعاء أنك تقوم بفعل شيء.

عندما نتكلم عن قيم، فإننا في الحقيقة نتكلم عن بيئة متكاملة وليس عن أمور تُسقَط إسقاطاً على الناس، أي عن عناصر ونواح وأبعاد تتكامل ويدعم بعضها بعضاً.  والقيم عندها يكون آخر ما يمكن أن يتناقض معه الإنسان أو المجتمع في سلوكه.  من هنا، مثلاً، يشكل الكرم قيمة جوهرية في المجتمعات العربية.  كان خليل السكاكيني مثلا مميزاً كمعلم في كرمه وليس فقط في معرفته.  والتميز في المعرفة ليس تميزاً بالمعنى الحقيقي لأن من السهل نسبياً أن يتميز شخص بمعرفته أما التميز بالكرم فهو أعمق وأعرق وأفعل في نفوس الناس، وبوجه خاص الأطفال والطلبة.

والأمانة الفكرية لا تُعالج عن طريق التحليل والنقد والوعظ إلخ وإنما عن طريق ….  ولعل أفضل الطرق لمعالجتها هو ربط الكلمات بالحياة قدر الإمكان.  هذا ما فعلته منذ بداية عقد السبعينات بدءاً بالعمل الجماعي التطوعي، ثم العمل كموجه مركزي للرياضيات في مدارس الضفة الغربية (سواء في العمل مع لجنة تطوير تدريس الرياضيات أو في العمل مع المعلمين أو مع الطلبة من خلال نوادي العلوم والرياضيات واللقاءات العامة)، ثم كعميد للطلبة في جامعة بيرزيت، ثم كمدير لمؤسسة تامر وحملة القراءة بوجه خاص، وأخيراً في عملي كمدير للملتقى التربوي العربي (ومن ضمنه قلب الأمور).

(لا أعرف كلية تربية أو جهاز تربية عربي يعتبر الكرم قيمة جوهرية في التعليم ويبني عليها.)

*   *   *   *

مشروع ومجلة "قلب الأمور"

شعار المجلة: حياتي موضوع تعبيري… وتعبيري أساس تعلمي

 

جوهر المشروع: بناء "العالم الداخلي" للإنسان، والنسيج الاجتماعي الفكري الثقافي الروحي للمجتمع. المادة الخام في عملية البناء هذه: حياة الناس وتجاربهم وخبراتهم.

الوسائل والنهج المتبعين في عملية البناء:

وسائل بناء العالم الداخلي للإنسان: التأمل والتفكر بما يمر به الشخص وما يعمله، والتعبير عن ذلك وبناء معان ومفاهيم، واستعادة استعمال الحواس في التعلم.

وسائل بناء النسيج الاجتماعي الفكري الثقافي: مجموعات صغيرة تعمل ضمن سياق حقيقي، والتواصل والتحادث والحوار عبر هذه المجموعات وعبر الفئات والمناطق والأجيال، والقراءة والكتابة، وبناء فكر ومعرفة.

جوهر بناء النسيج الروحي: قيم ومبادئ مشتركة.

      » الصدق في الفكر والتعبير والتعامل.
      » المسؤولية نحو الذات والآخرين والطبيعة.
      » روح الكرم والمحبة والعشرة.
      » وحدة الحياة وترابطها وتنوعها.
      » السعي نحو معنى وحكمة في الحياة.
 

المبادئ التي تحكم فكرنا وعملنا في "قلب الأمور":

1.  ننظر إلى الإنسان كبان لمعان وتعابير ومعارف ومجموعات بشرية.
2. البناء الذي نطمح له يحدث على صعيدين متداخلين ومتكاملين: العالم الداخلي للإنسان، والنسيج الاجتماعي الفكري الثقافي للمجتمع.
3. البدء في عملية البناء هذه بما هو موجود وإيجابي وملهم (وليس بالاحتياجات والسلبيات والنواقص).
4. كل شخص يملك خبرة، ولا توجد خبرة لا قيمة لها فالحياة منسوجة من قصص الناس وليس من ذرات.
5. تحويل الحياة إلى "قصص" عن طريق التأمل والتفكر والتعبير عنها، وهذا بالضرورة يربط الفكر بالعمل والسياق.
6. الحياة وحدة متكاملة، والمجتمع وحدة متكاملة، والمعرفة وحدة متكاملة. وتنوع الناس في خبراتهم وتعابيرهم ومعارفهم هو مظهر أساسي لهذه الوحدة. لذا لا تقبل المجلة مساهمات تمزق الإنسان من الداخل أو النسيج الاجتماعي من الخارج.
7. المسؤولية نحو الذات والآخرين والطبيعة بمعنى حمايتها، قدر الإمكان، من الأضرار التي يمكن تجنبها.
8. المعرفة تبنى جماعيا، من خلال التفاعل مع المحيط الاجتماعي والطبيعي ومن خلال التحادث والتحاور.
9. التعلم السليم، مثل التنفس السليم، لا يتم إلا إذا حدث بشكل متكامل داخل الإنسان وخارجه.
10. الحضارة العربية معروفة بالكرم، والقراءة مظهر من مظاهر الضيافة، حيث نستقبل عن طريقها الأفكار، بما في ذلك الغريب منها، لتدخل في أعماق بيوتنا البشرية: أنفسنا. كذلك، فإن الكتابة النابعة من تأمل هي مظهر من مظاهر الكرم، حيث نشارك الآخرين بأعز ما نملك: أنفسنا. من هنا، فإننا نعتبر القراءة والكتابة التأملية عادتين وقدرتين أساسيتين في "قلب الأمور."
11. اللغة الأساسية في المجلة هي العربية الفصيحة، وتقبل مساهمات بلغات أخرى يتواجد في بلدانها أعداد كبيرة من العرب.

تصدر المجلة على مستويين:

مجلة "قلب الأمور" العربية، ومجلات "قلب الأمور" المحلية.

تتكون الهيئة المسؤولة عن المجلة العربية من أعضاء يعملون لفترة متواصلة من الزمن (سنتين أو ثلاثة) ومن أشخاص من هيئات مجلات محلية ينضمون إلى هيئة التحرير حال قيامهم بإنتاج المجلة المحلية.

تكون الهيئة العربية مسؤولة بشكل رئيسي عن مضمون وروح ونهج المجلة، ويكون العضو فيها حلقة وصل مع مجموعات ومؤسسات محلية (حيث يكون متواجدا). ومن خصائص هذا العضو أن يغني المجلة ويغنى بها، أي أن يكون على درجة عالية من الخبرة والاندماج. كما يفضل أن يكون لدى الشخص بريد الكتروني ومعرفة جيدة باللغة العربية، كما يتوقع منه/ها المساهمة بمقال واحد على الأقل في كل عدد.

أما المجموعات والمجلات المحلية، فيمكن أن تنشأ وتتكون بمبادرات محلية في أي موقع فيه عدد من الأشخاص الراغبين في ذلك، طالما انهم يلتزمون بجوهر المشروع ونهجه والقيم التي تحكم فكره وعمله.

لماذا حرف الواو شعارا لقلب الأمور؟

الواو حرف عطف، والعطف كلمة تتضمن المحبة.

بل هو كلمة مكونة من حرف واحد.

الواو كلمة جامعة ومجمعة دون حدود.

تفتح الفسحة للجميع ليدخل بما عنده وحسب رغبته.

ولكنها فسحة محكومة بقيم ومبادئ وليس بأهداف.

كلمة مجمعة في عالم يشرذم الانسان من الداخل ويمزق النسيج الاجتماعي من الخارج، يعيد القيمة للعشرة والألفة بين الناس في عالم عطش للتواصل واستعادة الروح. 

الواو حرف عطف مكون من حلقة بمثابة مركز ومن خط ملتو "يسافر في كل الدنيا".

"قلب الأمور" مركزها الوطن العربي، وشعرها المجدول يسافر في كل الدنيا، يسافر إلى طل موقع فيه عربي يرغب في إضافة خبرته وتعابيره إلى الآخرين.

منير فاشة
 مدير الملتقى التربوي العربي

 
 
   
 
 
     

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved