من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
 
سطوة التعليم وحرية التعلم - سيرين حليلة.

سطوة التعليم وحرية التعلم


حين يتحدث شخص ما "فوق رؤوسنا" باستخدام لغة معقدة لا تعني شيئا فعليا على الأرض، ليست منطلقة من أي تجربة حياتية، منغمسة في وقع كلماتها وتعقيدها وبلاغتها، ويصر على "استغلال" وجودنا في وضع لم نختاره نحن ويستمر في "قراءة" ورقة مكتوبة على مسامعنا، وهو يواجهنا جانبيا، وينظر إلينا بين الحين والآخر بابتسامة تبدو وكأنها تؤكد لنا على أنه يقدم لنا "علما" لا نعرفه، ولا يمكن أن نعرفه، من شخص "أذكى" منا، ونحن الذين لا نعرف يجب أن نكون شاكرين لهذا الشخص لإغداقه هذه المعرفة علينا...

في تلك اللحظات شعرت بأنني أتعرض للإساءة، فزاد مرضي، وشعرت بثقل كبير في صدري ولم يعد باستطاعتي التنفس.. تكبلت! وحين عبر بعض المشاركين عن اختلافهم مع هذا الشخص ووجهوا له نقدا واضحا ومحددا ومباشرا ولكن بطريقة مؤدبة، امسك الميكروفون وبدأ "يصرخ" علينا... لم يكن يقرأ هذه المرة، بل كان "يعنفنا" لأننا لم نفهم ما قاله، لأننا "أغبى" مما اعتقد في البداية، وقد يكون من غير المفيد أن يحاول أن يفهمنا ما يعرفه هو وما توصل إليه من خلال معادلة رياضية تقول بأن مقدار التعلم = الوقت المعطى للتعلم مقسوم على الوقت الذي نحتاجه للتعلم. فما هو مقدار الوقت الذي يحتاجه شخص قد اغلق كافة حواسه وكافة منافذ التعلم لكي يتعلم؟ وما هو الوقت الذي يخصصه شخص لا يعطي شرعية لأي خبرات أخرى غير خبرته ليتعلم؟ وما هو بالتالي مقدار التعلم الممكن؟

قارنت هذه الحالة بالساعتين الذي تم تخصيصهما ليقوم كل من يرغب بعرض عمله وتجربته بأخذ زاوية يعرض/تعرض فيها عمله/عملها ويقوم المهتمون من المشاركين بزيارته في موقعه والحوار المعمق معه/معها. كان لكل شخص الحرية في التعرف على المبادرة التي يرغب بالتعرف عليها، ويكتفي بالقدر الذي يريد منها وينتقل إلى غيرها أو ينغمس في الحديث مع أحد المشاركين، ومن يرغب بالمزيد فقد يقضي ساعتين أو أكثر في نفس المكان. لا أحد يتحكم في غيره، وكل "يزور" من يرغب بالتعرف على عمله، وعلى كل شخص أن يحاول أن يعرض عمله بشكل مشوق ومثير وجذاب ولكن أيضا بشكل غير رسمي، بمعنى أنه لا يكون في موضع "السلطة" بحيث يشعر بأن عليه أن يحاضر على الناس...

هذا بالنسبة لي كان مثالا واضحا لفارق أساسي بين التعليم والتعلم، بين "سطوة" المعلم التقليدي و"حرية" الجو التعلمي. لا أريد أن أكون عرضة للنوع الأول مرة أخرى، ولا أرغب لغيري أن يمر بهذه التجربة القاسية... هذه هي رسالتي في الحياة، وما أحاول القيام به في عملي وفي حياتي. وحماية لنفسي سوف أحاول قدر المستطاع أن أبتعد عمن يفتقدون حاسة الاحترام للغير لأنها قد تكون، ومن هذه التجربة تحديدا، أهم حاسة يملكها الإنسان.

 


 

[هذه المقالة كتبت على هامش ندوة التنوع في التعلم: "مفاهيم وممارسات"
والتي عقدت في بيروت، 14-16 تشرين الأول / أكتوبر 2003
بالتعاون مع اليونسكو]

سيرين حليله
5 /11/2003

 
 
   
 
 
     

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved