من واقع الخبرة والتعايش والعمل في قرى الريف المصري شعرت أن القضية في الريف أو حتى المدينة ليست هي المخلفات الصلبة أو الاستخدام السيء للموارد فقط وانما القضية الأساسية هي سلوك الناس نعم فان سلوك البشر هو العامل الأساسي في نجاح العمل التنموي أو فشله ومم يظهر حدة المشكلة أيضا الوضع الاقتصادي السيئ والتخطيط العمراني أو الزراعي الغير مدروس وتأثيرهما، والسلوكيات السيئة التي تعد من أهم الأشياء المدمرة للبيئة من حولنا والعمل على تغيير السلوك والتوعية بقضايا البيئة أهم بكثير من اعطاء القروض أو اقامة مشروعات لانه مهما أقمنا مشروعات أو اصلاحات دون وعي من الناس بقيمة هذه الاصلاحات ليس لها أي قيمة.
ومن المؤكد أن هذه الحقيقة ليست بعيدة عن أعيننا جميعا أثناء عملنا مع تلك القرى، لكن القضية هنا هي عدم اتاحة الوقت الكافي للقائمين على العمل التنموي لترسيخ العادات والتغيير في السلوكيات فالعمل على تغيير سلوكيات الناس من أصعب الأشياء ولكن جميع الهيئات المعنية بالعمل التنموي لا تعطي هذا العنصر الوقت الكافي له بمعنى أن أغلب التركيز يكون على اظهار نتائج سريعة وغالبا ما يكون ذلك بضغط من الهيئات الممولة أو لأن الهيئة تريد أن تشعر أنها صنعت شيئا ولكن سرعان ما يختفي هذا الشيء بمجرد انسحاب الهيئة أو انتهاء المشروع في هذه القرى، ومن المؤكد أيضا أنه لا يصح أن نعمم تلك النتائج على جميع الحالات ولكن هذا ما شعرت به خلال فترات عملي أن الناس عندما تجد من يقدم لها أشياء أو خدمات لا تشعر بقيمة هذه الخدمات أو الأشياء المقدمة ولكن عندما تشترك في هذه الخدمات تشعر بها وتحافظ عليها.
وأنا أرى أنه لابد أن نعمل جميعا على ترسيخ العادات والسلوكيات السليمة ووقتها يستطيع الناس التعامل مع الندرة والحفاظ على الموارد المتاحة وبعدها سوف يكون التدخل للدعم وليس لتقديم خدمات وفي هذا الاطار لابد من تضافر الجهود بين الهيئات التي تعمل في مجالات مشتركة لتبادل خبرات العمل والاستناد على خبرات الناس لأنها شيء مهم ويجب أن نضعها موضع اهتمام لنجاح أي مشروع.
فمثلا: لماذا لا يحدث تكثيف في الجهود بين الهيئات التي تعمل في البيئة والتنمية الاقتصادية لاحداث تغيير حقيقي في حياة الناس بدلا من أن يكون التدخل منقوص وأن يكون هناك آلية للتعاون بين تلك الهيئات بدلا من التنافس.
ايريني ابراهيم شوقي
مؤسسة سلامة موسى - مصر