البيئة من الموضوعات التي لا يمكن فصلها عن حياة الشباب، فهي تمس حياتهم الحالية وآفاق مستقبلهم وأي خلل فيها يوثر في سير حياتهم، وتعاني البيئة في فلسطين من عدة معيقات، منها ذاتية مثل الزيادة السكانية والتوسع الحضري وأخرى خارجية تتعلق بالاحتلال واستخدام المحتل الاسرائيلي للثروات الطبيعية الفلسطينية، وياتي الجدار الفاصل ليشكل اهم المشكلات البيئية التي تواجه الفلسطينيين في اراضيهم فمنذ بدء بناء هذا الجدار بدأت انعكاساته المدمرة تظهر على البيئة الفلسطينية وشملت كافة جوانب البيئة، الطبيعية والاجتماعية والثقافية والحضارية، مما ادى الى تغير كامل في اسلوب الحياة اليومية والاجتماعية والصحة النفسية والجسدية للسكان والتنوع الحيوي.
يهدد الجدار قرى ومدن الضفة الغربية واراضيها وزراعتها وحياة سكانها والتنمية البشرية المستدامة، اظهر تقرير صادر عن الادارة العامة للتربة والري في وزارة الزراعة الفلسطينية، والذي يبرز الخسائر والضرار للأقتصاد والبيئة الفلسطينية الناجمة عن بناء الجدار، فقد اظهر التقرير احصاءات مذهلة تتحدث عن الأضرار الفلسطينية، فانخفض انتاج الزيتون بسبب تقطيع آلاف الأشجار المثمرة والمعمرة *[1]. وعلى اعتبار اعتماد الفلسطينيون بشكل اساسي على الزيتون في مواسمه في معيشتهم، فأنه بمعدل (2200) طن من الزيت لم تنتج، اضافة الى انخفاض ثمار الفواكه بمعدل (50) طن والخضراوات بمعدل (100) طن سنويا. هذا بالأضافة الى فقد حوالي (15) الف رأس من الماشية مناطق رعيها مما يودي الى تشوء خلل بيئي، أما بالنسبة للمياه فلم تقتصر المشكلة على تلوث المياه الجارية والجوفية الفلسطينية ومياه البحر في غزة نتيجة اختلاطها بالمياه العادمة للمستوطنات وذلك بتعمد اسرائيلي، فقد عمل هذا الجدار على مصادرة (30) بئر مياه فقط في محافظتي قلقيلية وطولكرم وضمن سيطرة كاملة للاحتلال على الحوض الشمالي للمياه الجوفية.
كما انه يجتاز دروبا زراعية وطرقا ويقطع السكان عن مصادر مياههم كما الاطفال عن مدارسهم والشباب عن جامعاتهم واعمالهم وتعزل المجتمع الفلسطيني عن خدماته التي يتلقاها وعن حياته الطبيعية .
تقوم اسرائيل ببناء الجدار على مرحلتين الأولى ببناء (145 ) كم والثانية ببناء (505) ، وتلخصت بعض نتائج بناء المرحلة الأولى من الجدار بما يلي :
عزل (16) قرية خلف الجدار واقتلعت (102320) شجرة مثمرة وهدمت الكثير من البيوت و(218) عزل (16) قرية خلف الجدار محل تجاري تعيل اكثر من (700) عائلة، ودمرت (14680) دونم من الأراضي الزراعية، اضافة الى (36) بئر ارتوازي و(200) خزان مياه عزلت تماما (14) منها مهددة بالهدم. قلقيلية التي يسكنها (41600) نسمة احيطت بالكامل بالجدار ويعيش اهلها الآن في "سجن مسقوف"، كل هذا في اقل من ثلث الجدار المخطط الذي يصل طوله الى (650) كم .
ومن مظاهر العنف المترتبة على بناء الجدار انه جعل حول المدن بوابات في المناطق التي اكتمل فيها بناؤه، وهذه البوابات تحولت الى وسيلة عقاب استخدمها الأحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين مما اعاق حياتهم الطبيعية في مدنهم وقراهم، فقد طوقت المدن بالأسوار العالية وحولتها الى سجون حقيقية لها بوابات يفتحها الجنود ساعة في الصباح وأخرى عند المغيب، بطريقة تحول دون الفلسطيني وارضه ومصادر حياته، وتشكل البوابات المنفد الوحيد للفلاح الى ارضه والعامل الى مكان عمله والطالب الى مدرسته مما يوثر على نفسية الطالب وتحصيله الكاديمي ويبعد اهتمامه عن دراسته وعن تطوير ذاته واستغلال مواهبه في الابداع. وكل هذا له آثاره السلبية على السكان في قلقيلية التي تمثل مثال على المدن الفلسطينية المهددة الأمر الذي يودي الى منع تواصل هذه المدن مع بعضها وضيق الخناق على السكان بما فيهم الشباب بتفاقم الأوضاع النفسية عند الشباب وعزلهم عن طموحاتهم في تحقيق وطن مستقل مستقبلي لأنفسهم وللاجيال القادمة مما يعزز ابداعهم في كافة الجوانب، اضافة الى تاثير الجدار في الأطفال ومنعهم من التعرف على وطنهم واتصالهم مع العالم من حولهم، فقد باتوا يعيشون في سجون مدى حياتهم دون ارتكاب جرم .
قد تكون الحقائق المعروضة جزء بسيط من المشكلة البيئية التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة بناء جدار الفصل العنصري، لكن المشكلة الهم هي عدم وجود وعي عربي عالمي وقوى ضاغطة لحل المشكلة، وعدم وجود حلول كاملة في ايدينا نحن الشباب غير توعية انفسنا والأجيال القادمة بمخاطر الجدار والأحتلال والوقوف في طريق بناؤة. ويبقى الدور الأهم وهو دور المؤسسات والدول الأخرى للوقوف في وجه هذا المخطط ليس لابعاده السياسية فقط بل للمشاكل البيئية المترتبة عليه.
ربى طوطح
مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي – فلسطين.
[1] يشكل ناتج القطاع الزراعي 80 % من ناتج الاقتصاد الفلسطيني