مبرة الامام الخوئي
"كرسنا مفهوم البر بدلا من اللجوء وخلقنا إيمانا بأن
التعامل مع الأيتام هو واجب اجتماعي"
خضر دبوس
مبرة الإمام الخوئي باكورة مؤسسات الخير والبر في جمعية المبرات الخيرية، انها قطرة الغيث الأولى، جاءت تغرس الأماني في نفوس ظامئة وتنعش الآمال التي قوضها اليتم.
فانطلقت على بركة الله في العام 1978 لترتفع بمبانيها الخمسة. عين على البحر وعين على الجبل، وهي تظلل في روحها الوارفة هذا العام ألفاً وثلاثماية وستين يتيماً ويتيمة.
سأعرض بشكل موجز وسريع لهذه التجربة المميزة في رعاية وتعليم الايتام على مدار أكثر من عشرين سنة محاولاً التركيز على اهمية التكامل ما بين الرعاية والتعليم .
1. يقوم العمل الرعائي في مبرتنا على المرتكزات الاساسية التالية:
أ. بناء شخصية الطفل اليتيم لتمكينه من تحقيق ذاته وتحمل المسؤولية والالتزام الاخلاقي والتفاعل مع الاخرين بروح المسؤولية والمشاركة الانسانية.
ب. العمل على تلبية الحاجات الاساسية لاطفالنا الايتام من تعزيز لانتمائهم الاجتماعي وفهم صحيح لقدراتهم وامكاناتهم الجسدية والعقلية والعاطفية والروحية.
ج. تنمية المهارات المتعلقة بالنمو الشخصي.
د. تعزيز انتماء الطفل اليتيم للمبرة والسعي لإيجاد أجواء تساعد على سرعة تكيفه.
هـ. تعزيز مشاركة الايتام في تسيير شؤونهم الحياتية والتربوية.
و. ايجاد برامج ترفيهية واجتماعية تساهم في خلق أجواء مناسبة للأيتام وتعمل على صقل شخصيتهم.
ز. تعزيز صلة الأيتام بالمجتمع الخارجي.
ح. تعزيز أواصر التعاون مع أولياء أمور التلامذة.
ط. تعزيز الملكية الفردية عند الاولاد داخل الاسرة.
وبناء عليه كان للرعاية في المبرة مفهوم خاص تمثل في تطبيق للنظام الأسري في الرعاية، بحيث يوزع الأولاد على ان اسر تتكون من مجموعات صغيرة، تعيش كل أسرة في بيت خاص ترعاه مشرفة رعائية أعدت بشكل خاص لهذه المهمة التربوية والرعائية، ترعى شؤون هذه الأسرة الحياتية والتعليمية والتربوية على مدار الساعة، وتسهر على توفير أجواء حميمة بين أفرادها فيتآخى الأولاد بعضهم مع بعض، ويشكل الجميع أسرة متجانسة يحب الواحد الآخر ويتعاون معه ويمد يد المساعدة له، والكبير يرعى الصغير والصغير يحترم الكبير.
ان هذا النظام الأسري يوفر للأولاد سبل التواصل مما يساهم في نمو انفعالي إيجابي وبداية تعلق وانتماء.
ولما كانت منهجية التربية الشمولية عنواناً واسعاً للبرامج التعليمية الجديدة التي أخذت طريقها نحو التنفيذ في مدارسنا في لبنان والتي جاءت بأبعادها (المكاني – الزمني– القضايا – الذاتي) لتلبي الحاجات التربوية الأساسية والملحة في سد الثغرات وتغيير الأسلوب التعليمي التقليدي إلى تطبيق نشاطات مشوقة ومتنوعة آخذة في الاعتبار الانسجام والتناغم ما بين الرسالة والوسيط .
وحيث أن هذه التربية الشمولية تهدف إلى:
- تنمية طاقات الفرد وتعزيزها وذلك بالتركيز على المهارات الحياتية الضرورية كمهارات التواصل والتعاون وحل المشكلات والتفاعل والوصول إلى توافق.
- تنمية وعي الفرد بالبيئة المحلية والعالمية وحقوق الإنسان واكتساب المواقف والاتجاهات كاحترام الآخرين وتقدير التنوع وفهم القيم والتفاعل بإيجابية مع الآخرين.
- تؤكد التربية الشمولية على أهمية تأكيد الذات وقد اجري العديد من الدراسات والأبحاث حول العلاقة ما بين مفهوم الذات وصورة الذات وتقدير الذات والمقدرة على التعلم، ويتبين ان مفهوم الذات الإيجابي مدخل أساسي للرغبة في الوصول إلى مجالات أو فرص جديدة في التعلم، وان التعلم الموفر يتعزز عندما يتعزز مفهوم الذات.
ان التربية الرعائية في مؤسساتنا تطابقت في هذه النظرة الشمولية للتربية والتعليم، واعتبرت ان التعلم هو الهدف وليس التعليم بحيث ان التعلم في مؤسستنا هدفه كسب المتعلم للمعارف والخبرات والمهارات والمواقف والعادات التي تمكن الإنسان من التكيف وفقاً لمقتضيات الحياة والعوامل المحيطة بها ووفقاً لحاجاته ورغباته واعتبرت ان التعلم عمليه عامة شاملة تهدف إلى تطوير كل نواحي الشخصية الإنسانية التي تتناول القيم الروحية والقدرات الفكرية والعقلية أو المواقف النفسية والعاطفية والمهارات الفنية والجسدية وعليه نؤكد اننا في مؤسساتنا الرعائية نعتبر ان التعلم للجميع ويجب ان لا يحرم أي طفل من التعلم مهما كان وضعه الاجتماعي أو النفسي أو البيئي لذلك أولينا متابعة خاصة للحالات التعليمية الصعبة وللأطفال بطيئي الاستيعاب فكان لهم صفوف خاصة تشرف على تعليمهم أخصائيات في التربية المختصة يحاولن من خلال البرامج المختلفة تنشيط ذهن الولد وتنمية استيعابه العقلي ليتسنى له التعلم وتحصيل المعرفة.
لذلك انصب الاهتمام على تعزيز المهارات المساعدة على التعلم عند الاولاد من خلال:
أ. إيجاد الدافع عند الولد للتعلم، بحيث يكون لديه دافع قوي للبحث والتشخيص والتحليل والحفظ والتعبير، وهذا الدافع يكتسبه الطفل من البيئة المحيطة به ومن الأجواء العامة الأسرية التي يعيشها في المبرة ومن جميع من يتواصل معهم.
ب. تنشيط عمليه التعلم والإشراف التعليمي من خلال استخدام أساليب ووسائل:
- تثير فعالية الولد وتنمي مبادراته.
- تجعله يمارس العمل بشكل مباشر، يلاحظ، يكتشف، يستوعب.
- تأكيد ذات الطفل وشعوره بالغبطة للإنجازات التي يحققها.
- تنمية الحاجة للمعرفة والفضول.
- الحاجة للأمان والطمأنينة فلا يكون الدرس سبباً رئيسياً للقلق والتوتر والشعور بالنقص.
ج. تبسيط التعلم.
د. تطبيق مجموعة متنوعة من الحوافز المادية والمعنوية التي تساعد على التعلم.
هـ. الأساليب المتنوعة المتبعة في الإشراف التعليمي داخل الأسر من العمل بالمجموعات وتعزيز روح المذاكرة والمناقشة بين التلامذة في الدروس المقررة لهم ، إلى ربط الدروس بالحياة العملية للتلامذة وتوظيف النشاطات في خدمة العملية التعليمية، ومزاملة التلامذة المتفوقين والمميزين لزملائهم المقصرين.
و. توفير الأجواء المناسبة للتعلم داخل الأسرة سواء في الصفوف أو في الأسر أو في الملاعب.
ولتعزيز ثقافة الأولاد ومساعدتهم على فهم حياة المجتمع اليومية يطبق في المبرة برنامج تربوي هو عبارة عن مجموعة مفاهيم او محاور اهتمام هادفة (فكرية – ثقافية – اجتماعية – أخلاقية) يقدمها المشرفون الرعائيون للتلامذة في الأقسام الداخلية بأساليب مختلفة ومتنوعة، يعالج البرنامج التربوي عدة نواحي: تربية حسية – تربية أخلاقية – تربية صحية وجسدية – تربية اجتماعية – نشاطات متنوعة – نشاطات عقلية وفكرية – أنشطة علمية.
1. الابواب التي تعتمد أهمها
- القصة بأنواعها المختلفة المحكية، الاستنتاجية ، اكمل القصة، دمى متحركة.
- حلقات حوار – الحوار والمناقشة مع الطلاب (التأكيد على عدم تقديم المادة بشكل تلقيني).
- نشاطات تطبيقية.
- العاب – أناشيد – الصناعات اليدوية – البطاقات المسابقات– باب الاصدقاء – إحياء المناسبات.
- المسرح.
- أبحاث تتناسب مع العمر وتخدم المحور.
- الأمثال الشعبية.
- البيئة والنظافة.
- سكتش حواري للموضوع (مشكلة وحل).
كاسيت - لوحة حائط من صنع التلاميذ.
- تحقيقات ميدانية من قبل التلامذة يخطط لها المنسق فيديو وأشرطة من خلال وسائل الإعلام.
2. آلية وأسلوب
- ان يكون المحور هو التلميذ بحيث يشارك مشاركة فعالة (مناقشة – حوار- اسئلة كتابة).
- تنشيط عمل المجموعات والتركيز عليها وإثارة التنافس بينها.
- التركيز على فنون التواصل.
- التركيز على النشاطات المختلفة (الفكرية – الترفيهية – الحركية).
- التركيز على تعميق العلاقات الاجتماعية (زيارات – تهادي ….).
- الاستعانة على القصص والدروس والعبر المستخلصة.
- الاستعانة بالوسائل السمعية والبصرية.
وفي اطار تنمية المهارات الجسدية والفنية والفكرية والاجتماعية عند التلامذة يمارس الأيتام نشاطات متنوعة داخل وخارج المؤسسة رياضية وفنية واجتماعية وكشفية ويتوزع الأولاد من خلالها على النوادي الرياضية الموجودة في المبرة (كرة قدم – كرة سلة – كرة طائرة – كرة طاولة – جمباز – كاراتيه وغيرها ...) وفرقة خاصة للأناشيد والمسرح والفوج الكشفي والفرقة الموسيقية التابعة لهذا الفوج والأشغال اليدوية ونادي الكمبيوتر إضافة الى الرحلات التي تنظمها المبرة خلال العام الدراسي الى مختلف المناطق اللبنانية.
وتعمل المبرة على ربط هذه النشاطات بالبرامج التعليمية والتربوية لتساهم في بناء شخصية متكاملة للتلميذ.
وفي المبرة برنامج واسع وكبير لخلق جو من التواصل ما بين الأيتام والمجتمع الخارجي والعمل على تهيئتهم للاندماج في المجتمع، حيث تنظم المبرة للطلاب زيارات إلى مختلف المرافق العامة والمعارض والمسارح والمراكز الثقافية والمصانع والمعامل وغيرها من المؤسسات التي يرغب الأولاد في التعرف إليها، كما تنظم لشرائح اجتماعية مختلفة من أطباء ومهندسين وتجار وصناعيين ورجال أعمال وجامعيين زيارات للمبرة للتواصل مع الأيتام وتنفيذ نشاطات مشتركة معهم.
وفي المبرة مجلس للأهل اختاره أولياء أمور الطلاب بالتعاون مع المبرة في أحياء المناسبات العامة وهناك تعاون وثيق وتواصل دائم ما بين المبرة وأولياء أمور الطلاب حيث تنظم لهم بالتعاون مع مجلس الأهل لقاءات دورية يطرح فيها موضوعات دينية واجتماعية وصحية.
كما تنظم حلقات نقاش للتشاور معهم في أوضاع أولادهم ، كما يوجد في المبرة مجلس أصدقاء المبرة يتكون من شخصيات فكرية واجتماعية ومهنية ورجال أعمال يسكنون في محيط المبرة، ومن أهدافه:
- ترشيد وتوجيه عمل المبرة بما يحقق الأهداف التي أنشئت لاجلها وإبداء المقترحات المناسبة.
- الاطلاع على برامج عمل المبرة وخطط عملها والمساهمة في رفد هذه البرامج والخطط بالأفكار المناسبة.
- المساهمة في تعزيز وتنمية علاقة المبرة بكافة شرائح المجتمع بما يعود على المبرة بالنفع العام.
- إبراز الوجه الإعلامي لنشاطات المبرة وبرامجها في كافة المناسبات.
- توفير سبل الدعم المعنوي والمادي للمبرة بما يساعد على تطوير عملها وتنميته وتعزيزه.
ان التطور الملحوظ الذي طرأ على عمل المبرة خلال السنوات الخمس الماضية والتي جعلها من أوائل المؤسسات الرعائية في لبنان بشهادة الأخصائيين والمحليين والأجانب الذين زاروا المبرة يعود للرعاية الكريمة التي يوليها سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله لمبرتنا حيث يعطيها من فكره الوقاد وقلبه الكبير ما يجعلها تشع دائماً بالنور وتسير دوماً نحو الإمام.
هذا التطور يلقي على كاهلنا مسؤولية التفكير الدائم والمستمر في تطوير هذه المؤسسة وتعزيزها لتحقيق الأهداف المرجوة، وأنها مناسبة لنطلقها دعوة إلى كل أهل الخير للمشاركة في دعم هذه المؤسسة ورفدها بكل ما لديهم من إمكانات مساهمة منهم في حفظ اليتيم وتحصين المجتمع وتكافله.