من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
   
     
ميسون سكرية
جهاد توما
عبدالله الدنان
سارة التركي
عدنان الأمين
عماد ثروت
خضر دبوس
حسن الابراهيم
جليلة شجااع الدين
ليلى اسكندر كامل
مي يعقوب حداد
ميسون سكرية
منى الزياني
معتز الدجاني
سليمان ريحاني
منير فاشه
 

ميسون سكرية

"فلسطين وتعليم اللاجئين: فكرة اهملناها"  ميسون سكرية


لي تجربة متواضعة. فأنا لست مديرة لمدرسة ولا لمؤسسة ولم أنشىء هيئة. تجربتي عمرها ثلاث سنوات مع خمسة وعشرين طفلاً وطفلة بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة في مخيم شاتيلا.

حين علمت أن مؤسسة بيت أطفال الصمود في مخيم شاتيلا تبحث عن متطوعين لتعليم اللغة الإنكليزية، فكرت حينها أن المهمة ستكون سهلة على تلميذة تربية تحمل إجازة في اللغة الإنكليزية. قبل أن أتوجه إلى المخيم قصدت أحد اختصاصيي تعليم اللغة الإنكليزية في الجامعة الأميركية لأسأله عن كتاب جيد يمكن إتباعه لتعليم أطفال المخيم. اشتريت الكتاب الذي نُصحت به وانتظرت حوالى النصف ساعة أسأل عن سيارة أجرة تقلني إلى المخيم سمعت خلالها تعليقات مختلفة من السائقين إلى أن اقترح أحدهم علي أن يقلني إلى منطقة الدنا وأنا أتابع طريقي مشياً إلى شاتيلا.

تركت السيارة في شارع الدنا الذي بدا إلى جزءاً من بيروت التي أعرف.

بعد دقائق من المشي أحسست أني في عالم آخر لا يمكن أن يكون جزءاً من المدينة التي أعيش فيها. كل شيء تغير علي حتى لون اللحم وأسعار المعلبات التي علمت لاحقا بأنها فاسدة، لذا تباع بأسعار رخيصة للفقراء.

بعد الدخول في شبكة زواريب تفوح منها رائحة الرطوبة وصلت إلى المركز حيث كان بانتظاري حوالي الـ 15 تلميذاً وتلميذة علمت حينها أنهم جميعهم أيتام يعيشون من مبلغ بسيط يدفعه لهم متكفلون عبر المؤسسة.

بعد حوالى الأسبوعين أو الثلاثة من التعليم، شعرت بفشل شديد في طريقة التعليم. فلا المواضيع المطروحة للقراءة شدت انتباه الأطفال، ولا الأدوات السمعية-البصرية التي تساعد على تعلّم اللغة الإنكليزية كما تعلّمت في الجامعة كانت متوافرة في الصف الذي كان عبارة عن لوح، عدة طباشير وكراسٍ دون مقاعد. حينها توجب علي اتخاذ قرار بشأن استمراري في التطوع أم نسيان كل الأولاد والمخيم والعودة من حيث أتيت.

لو فكرت حينها بنظريات التربية التي تعلمتها في الجامعة لكنت تراجعت. فالثقافات الدنيا low culture تؤثر سلبا على التلاميذ وتجعلهم غير قادرين على تحصيل ما يمكن للتلاميذ الذين يأتون من high culture أو بيئة مثقفة أن يحصلوه، كما يؤكد بورديو وبما أن المخيم يعتبر low culture فالأطفال فيه محكومون باللاتعلّم. لذلك فإنَّ ترك المخيم هو القرار الأسهل لي. ولكن شيئا ما دفعني إلى عدم اتخاذ الطريق الأسهل. ربما كان شعوري بالذنب أنا التي كنت دائماً أنظّر حول قضية فلسطين واكتشفت أني بعيدة كل البعد عن حياة اللاجئين، أو ربما كان شعوري بأن التلامذة أذكياء وأن العيب في طريقة تعليمي ربما.. وربما قررت أن استمر ومع هذا القرار توجب علي التفكير بطرق أخرى لاجتذاب الطلاب. فوضعت كل ما تعلمته في الجامعة الأميركية من حلول جاهزة للتعليم جانبا وقررت التقرب من التلاميذ لمعرفة أحلامهم وتطلعاتهم وهواياتهم. وهكذا بدأنا معاً سلسلة من النشاطات بدءاً بالمناقشات إلى الرحلات، عرفت خلالها كيف أن فلسطين تشكل المحور الرئيسي للنشاطات في حياتهم وكل أحلامهم تتمحور حولها. تذكرت حينها أنهم في اللقاء الأول عرفوا عن أنفسهم باسمائهم وبالقرى التي ينتمون إليها في فلسطين ولم يذكر أحد منهم شاتيلا كمكان ينتمي إليه.

بعد هذه النشاطات طرحت عليهم أن نبدأ بقراءة مواضيع مختلفة عن فلسطين باللغة الإنكليزية كي نتعرف إلى فلسطين التي نحبها دون أن نعرفها أولاً ونتعلم اللغة الإنكليزية ثانيا.

ولأنه كان يتعذر إيجاد نصوص للأطفال حول فلسطين بالإنكليزية، كان علي في كثير من الأحيان أن أكتب النصوص بمفردي وكان الأطفال في معظم الوقت يقررون ما سنقرأ من مواضيع. وفي بعض الأحيان كنت استعين بأصدقاء لي من فلسطين أسألهم أن يكتبوا مقطوعات عن أنفسهم ليقرأها أطفال المخيم.

بعد القراءة واجهت مشكلة الكتابة‍! فكيف اشجعهم على الكتابة بالإنكليزية هم الذين يهابون الكتابة حتى باللغة العربية من جراء تصوير أساتذتهم للكتابة بأنها عملية معقدة وتحتاج إلى خبرة ... فلم يكن علي سوى الإتصال بمؤسسة في مخيم الدهيشة في الضفة الغربية لتكوين مجموعة من الأطفال يتراسل معها أطفال المخيم عبر الانترنت. وبما أن التراسل عبر الانترنت لا يتم إلا باللغة الإنكليزية وبما أن أطفال المخيم متحمسين جداً للإتصال بأصدقاء يعيشون في فلسطين، بدأوا يكتبون دون حواجز. وقليلاً قليلاً لم تعد الكتابة تخيفهم ووجدوا أنفسهم كتاباً صغاراً يكتبون في البيئة والتعليم وكل ما يتصل بحياتهم ليخبروا أصدقاء فلسطينيين لهم عنها. يكتبون وتنشر كتاباتهم في مجلات داخل فلسطين وخارجها.

التعليم من خلال فلسطين لم يقتصر فقط على القراءة والكتابة بل تعداه إلى طريقة التفكير. أذكر أنه في خلال إحدى القراءات، مرت كلمة كاهن فكان التعليق الأول للطلاب بأنه كافر ككل المسيحيين. لم تكف ساعتان من النقاش لإقناع الأطفال بأن الإسلام لا يعتبر المسيحيين كفاراً. حاولت إقناعهم بطريقة أخرى فأتيت لهم بقطعة حول "من هو المسيحي الحقيقي" واستبدلت بكلمة مسيحي كلمة مسلم لتصبح من هو "المسلم" الحقيقي. وبعد أن قرأوا القطعة ووافقوا على مضمونها، أخبرتهم أنها سمات المسيحي أيضا ولكنهم لم يقتنعوا حتى عندما أريتهم الكتاب الذي استلهمت منه القصة، اتهموني بالكذب ونفروا مني. ما انقذني من هدم العلاقة بيننا كان كتابة نص عن شاب فلسطيني سمحت له ظروفه بالسفر للدراسة في الولايات المتحدة. بذكائه وروحه الطيبة كان قادراً في البداية على تكوين صداقات كثيرة. ولكن بمجرد معرفة أصدقائه بأنه فلسطيني كانوا يتخلون عنه متهمين إياه بالإرهاب. وكانت النتيجة اتهام الأطفال للأميركيين بأنهم عنصريون ويحكمون على الفلسطينيين دون أن يعرفوهم. وكان برأيهم أن تغيير صورة الإرهابي تكون بأن يتعرف الغرب إلينا ولا يستمع للصهيونيين فاقترحت عليهم أن يعرفوا من هم المسيحيين قبل الحكم عليهم بالكفر.

وبعد هذا النقاش أصبح شغلهم الشاغل معرفة ديانتي ولكني اصريت على أن لا أخبرهم مقترحة عليهم أن يتعاملوا معي كصديقة لهم أسمها كذا وليس كمسلمة أو مسيحية. في البداية كان من الصعب عليهم عدم سؤالي في كل يوم ولكن مع الوقت تقبلوني بالرغم من اعتقادهم بأني مسيحية. ولكن لا بأس فأنا صديقتهم.

وهذه النقاشات نبهتني إلى طريقة تفكير اكتسبوها من شيوخ أصوليين في المخيم تقوم على رفض فكرة التغيير والمحافظة على الإسلام كما كان في عصر النبي. وبالتالي فعلى المسلم الذي يعيش في القرن العشرين أن يتصرّف كما كان يتصرف المسلمون في عصور الإسلام الأولى وإلا يصبح أيضاً كافراً. فكيف يقتنعون بأن الأفكار تتغير ومعها حياة الناس دون أن يكون في ذلك أي ضرر.

في فترة النشاطات الصيفية قمنا معاً باعداد برنامج تحت عنوان "رحلة في التراث الفلسطيني". قسمنا تاريخ فلسطين إلى فترات متعاقبة كانت: قبل الرحيل- الفترة الأولى بعد الرحيل- فترة الثورة-الخروج من لبنان-الانتفاضة والثورة. وكنا نبدأ بقراءة أحداث تلك الفترة ومن ثم نحاول فهم كيف اثّرت هذه الأحداث على التراث الفلسطيني من أدب وشعر وسينما ورسم وغناء وحتى ملابس فولكلورية. فوصلنا إلى نتيجة في نهاية النشاط أن التراث الفلسطيني ما قبل الـ 48 تغير كثيرا ولكنه بقي تراثاً فلسطينياً-صنعه فلسطينيون مثلهم- وكذلك الفلسطيني تغيّر ولكن هذا لا يعني أنه لم يعد فلسطينيا. بعد ان اتفقنا على هذا الكلام طرحت عليهم ما إذا كان على المسلم في القرن العشرين أن يعيش كما عاش المسلمون في القرن الهجري الأول؟ اقتنعوا بعدم إمكانية هذا ولكن مع التأكيد أن فكرة أن الله واحد وأن محمد رسوله لا تتغير عبر العصور.

هذه النشاطات بنت روحاً جماعية بيننا سمحت لنا القيام بمشاريع مشتركة فأقمنا مكتبة في المركز من خلال حملات لجمع الكتب دون دفع أي مبلغ من المال: ولتشجيع التلاميذ على المطالعة التي لم يتعودوا عليها أقمنا نوعاً من المسابقة. علقنا لوحة كبيرة في المكتبة كتب عليها "نحن ما نعمل وليس ما نقول فهل أنت فلسطيني" تحت هذه المقولة كتبت أسماء الأطفال عامودياً و"هو فلسطيني" أفقياً. وكان كل من يقرأ كتاباً يكسب حرفاً من عبارة هو فلسطيني وحين يكمل العبارة يصبح فلسطينياً لأنه عمل لذلك وليس لأنه ولد فلسطينياً فيتوج بتاج ورقي قام الأطفال بصناعته. ويبدأ مشواراً آخر من القراءة. وهكذا أصبح الأطفال يتسابقون لكي يصبحوا فلسطينيين عبر القراءة.

تجربتي هذه علمتني الكثير وتركت في رأسي أسئلة كثيرة حول مسائل وأفكار كنت قد اعتنقتها من قراءات دون أن أعرف إمكانية تحقيقها على الأرض منها بالإضافة إلى التعليم والتنمية فكرة أننا جميعا عرب ونعمل على بناء مشاريع على هذا الأساس أدركت من تجربتي أني أجهل مجتمعاً كاملاً يبعد حوالي العشرين متراً بعيداً عني وأطفالاً وجدوا صعوبة تقبل أني "لبنانية" تحاول العمل معهم من أجل فكرة فلسطين فأصروا وما زالوا على أني فلسطينية يطرحون دائماً علي سؤال "من أي قرية أنت من فلسطين".

أسئلة كثيرة في داخلي ما زلت أبحث عن أجوبتها. ربما استمراري في التجربة مع الأطفال سيساعدني على ذلك.


لإرسال ملاحظات حول هذا العرض:
msukarieh@hotmail.com

 




 
 

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved