من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
   
     
كيف نفسر اعتبار من يخرب سيارة مجرما
هكذا تُحدِّثُنا غزة
متى تكون المساعدة متناقضة
لماذا مُحي من الذاكرة الفلسطينية
تحاور الأديان أم تجاور الأديان؟
كيف نفسر اعتبار من يخرب سيارة مجرما
تجريدات لا تستمد معانيها من الحياة
إلزام الحكومات بتوفير تعليم وعدم إلزامها بتوفير ما
الفرق بين العلم والحكمة
عندما نرى الدنيا بالمقلوب!من الذي يحتاج إلى تغيير؟
أول الكلام
الفشل والتخلف اختراعان
مجاورات ابن عربي
 

كيف نفسر اعتبار من يخرب سيارة مجرما

كيف نفسر اعتبار من يخرب سيارة مجرما بينما من يخرب الأرض والطبيعة تقدميا وتنمويا؟

في كل بلدان العالم، يُعتبر من يخرب سيارة مجرما، ويواجه بالتالي عقوبة يحاسب عليها القانون. في المقابل، يُعتبر من يلوّث الأرض والهواء والمياه خبيرا اقتصاديا أو رجل أعمال ناجحا، تُغدق عليه جوائز وألقاب فخمة، ويحصل على أرباح هائلة، ويُعتبر نموذجا لشخص يؤمن بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، ويكافأ على ذلك، بغض النظر عن عواقب ما يفعله! كيف تمر هذه الخدعة/ المصيبة على الناس دون أن نلاحظها؟ ماذا يحدث لعقولنا بحيث لا نرى الخلل؟

يمكن تفسير الخلل في رأيي من خلال ما يحدث لنا عبر المؤسسات، وبوجه خاص المؤسسة التعليمية. هل تعرفون مدرسة أو جامعة تذكر – مثلا – في مناهج العلوم أي شيء عن التلويث والتخريب والأخطار التي سببتها العلوم، وليس فقط الإنجازات والفوائد التي حققتها؟ لا أعرف عن جهاز تعليم يذكر حقيقة أن التخريب والأخطار التي سببتها العلوم خلال المائة سنة الأخيرة تفوق بكثير الحسنات التي حققتها. إن ذكر المكاسب وإهمال الأخطار، وعدم التفكّر في عواقب ما نفعله، هو نوع من خداع الذات وخداع الأجيال القادمة. لا تنبع أخطار العلوم من سوء تطبيق لها وإنما هي نتيجة طبيعية لمفهوم العلم كما صاغه فرانسس بيكن (الملقب بأبي العلم الحديث) بأن العلم هو "إخضاع الطبيعة" وأن "المعرفة قوة"، كما أنه نتيجة طبيعية لهدف التعليم كما صاغه "نبريها" بأنه سيطرة على عقول الأطفال، عن طريق منهاج تُُحدّده سلطة مركزية وعن طريق عملية تقييم تمسخ قيمة الإنسان إلى رقم. هذا المفهوم للعلم والمعرفة وهذا الهدف للتعليم وهذه الممارسة للتقييم، هو ما ساد منذ 300 سنة وما ساهم في تخريب العقول. وتخريب العقول، في رأيي، هو السبب الرئيسي في عدم رؤيتنا تخريب الأرض والطبيعة المذكور في العنوان.

لا توجد مدرسة أو جامعة، حسب معرفتي، تذكر تاريخ نشأة مفهوم العلم الحديث أو تاريخ نشأة التعليم الرسمي والمؤسسات الحديثة، أو تذكر مفاهيم للعلم مغايرة لما هو سائد، أو تذكر القيم التي تحكم فعلا تصرف المؤسسات في المجالات المختلفة. يجلس الطالب مدة 12 سنة، على الأقل، على قفاه – ضمن الادعاء بأنه يتعلم! (لي صديق مكسيكي يقول بأن الشهادة التي يحملها شخص هي مقياس لعدد الساعات التي يجلس فيها على قفاه). يجلس الطالب على قفاه في المدرسة وفي البيت والمكتبة والسيارة والباص... كل أعضاء جسمه الأخرى معطلة: لا يستعمل يديه أو رجليه أو حواسه أو عقله أو عواطفه أو خياله، وإذا استعملها، يكون ذلك على مقدار إنجاز ما يطلبه المدرّس وما تتطلبه القيم التي تحكم العمل في المدرسة، مثل الفوز على الآخرين. يتعلم الطالب في سن مبكرة أن يقول ما لا يعنيه وأن يفقد بالتدريج قدرته على أن يعني ما يقوله؛ يتعلم أن يقول ما لا يؤمن به ولا يشعر به ولا هو مقتنع به. يتعلم أنه إذا عطّل فكره وعطّل حواسه (بما في ذلك حاسة الصدق في القول والفكر) فإن ذلك سيدرّ عليه نعمة المؤسسات ورضا السلطات من كل الأنواع. يتعلم الطفل في سن مبكرة أن المعرفة تبدأ بكلمات وتجريدات لا معنى لها في حياته بل يحكم معناها مؤسسات وخبراء. يُسلب الطالب من قدرته على تكوين فهم ومعنى، وبالتالي يصدِّق ما لا يُصدَّق، ويقبل أمورا لا مبرر لقبولها إلا لأنها صادرة عن سلطة، بل ويفقد بعد فترة القدرة على ملاحظتها. نغرق في متاهات من الملهيات وننسى ما هو جوهري. بعد سنوات من العيش في ملهيات وسنوات من خداع العقول (عن طريق المؤسسة التعليمية والإعلامية) يصبح من السهل قبول الخداع المذكور في عنوان الخاطرة أو أي خداع آخر. هذا يفسّر، مثلا، لماذا من السهل على الأمريكيين (والمتعلمين عامة) تصديق أن إسقاط قنابل من طائرات على أهالي قرية آمنة هو حرب ضد الإرهاب!

لا يمكن أن نستعيد العافية والحكمة في الحياة إذا استمرينا في السير على هذا الطريق. الحكمة تتطلب أن نسأل دوما: مَن المستفيد من عملية تخريب العقول؟ وما هو الثمن الذي ندفعه في كل حالة يُقدَّم فيها شيء على أنه تقدم أو تطور أو اكتشاف؟ ماذا نخسر من جراء أي مكسب نجنيه؟

سؤال الخاطرة القادمة: نسمع الكثير في هذه الأيام عن حوار الأديان. هل يتم – في رأيك – جدل نسيج حي وحيوي وجميل بين الناس عن طريق تحاور بين الأديان أم عن طريق تجاور بينها؟




 
 

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved