تجربة "من طفل إلى طفل" في تعز/ اليمن
أحلام محمد عبد الملك
مدرسة الشهيد زيد الموشكي
بسم الله الرحمن الرحيم
سأبدأ بالتعريف بنفسي… أنا أحلام محمد عبد الملك عمري 18 عاماً، انهيت المرحلة الثانوية وسألتحق بالجامعة في العام القادم إنشاء الله… أعيش في أسرة بسيطة… التحقت بالمدرسة وأنا في الخامسة من عمري وأمضيت سنتين في مدرسة الشهيد الحكيمي بعدها التحقت بمدرسة الشهيد زيد الموشكي. كانت هذه الأخيرة مدرسة مختلفة عن مدرستي السابقة وقد أدركت ذلك بسهولة رغم صغر سني، فقد كانت اكثر نظافة ونظاماً ودقة في المتابعة وكنت أحس بمتعة حقيقية في الذهاب اليها. قد أكون في البداية وجدت نفسي متثاقلة تجاه الالتزام بلوائحها وأنظمتها والتكيف مع أنشطتها ولكنني سرعان ما اصبحت احد المدافعين عنها والمطالبين بتنفيذها.
عشت تجربة طويلة دامت عشر سنوات وبدأت اشارك بالأنشطة والفعاليات المدرسية حين كان عمري تسع سنوات حيث كانت اولى مشاركاتي في فريق كورال المدرسة حيث أدينا اوبريتا غنائياً ضخماً عن الطفل العراقي في يوم خيري كبير نظمته المدرسة للتضامن مع الطفل العراقي ورصد ريعه لصالح شراء أدوية لأطفال العراق.
سأحاول هنا ان اتطرق إلى تجربة مدرسية من نوع آخر صقلت مواهبي وعززت ثقتي بنفسي وإيماني بقدراتي وقيمتي وبحقي في المشاركة وإبداء الرأي وعلمتني كيف أحترم حريتي وحريات الآخرين وكيف أساهم بخلق بيئة ديموقراطية مصغرة وفرتها لنا اجواء تعلمية وتشاركية جيدة: انها تجربة اعتز بها وبنزاهتها، تجربتي في إدارة مجلس الصف الذي انتخبت له لمدة ست سنوات وسأعطي هنا فكرة مقتضبة عنه. مجلس الصف هو مجلس منتخب من قبل طالبات الصف يتكون من خمس إلى سبع طالبات (رئيسة – نائبة – مسؤولة ثقافية - مسؤولة اجتماعية – مسؤولة فنية – مسؤولة رياضية – عضوه) ومهام المجلس متمثلة بالآتي:
1- بحث ومحاولة حل المشاكل المدرسية التي قد تنشأ داخل الصف بين المعلمة والطالبات أو معلمة وطالبة أو بين طالبة وأخرى.
2- ضبط الصف وتسجيل الحضور والغياب.
3- توزيع مهام تنظيف الصف بين الطالبات.
4- التخطيط لانشطة الصف الثقافية والرياضية والفنية.
5- متابعة الاعداد والتحضير للإذاعة المدرسية الخاصة بالصف.
6- التعرف على أحوال الطالبات المحتاجات إلى مساعدة.
7- وضع الدرجات الخاصة بمادة السلوك مناصفة مع الإدارة.
8- الإشراف على المجلات المدرسية واكتشاف المواهب الخاصة بالتلميذات.
9- الاشراف على الطابور المدرسي وضبط المخالفات واتخاذ الاجراءات المناسبة.
10- حلقة وصل بين الصف والإدارة ويتبع مباشرة الاختصاصي الاجتماعي بالمدرسة.
في عام 1994م ادخل برنامج من طفل إلى طفل إلى المدرسة وبدأ العمل بمنهجيته وأحببت الانضمام إلى البرنامج والمشاركة بأنشطته وأنا بالصف السادس الأساسي وكنت مع أول مجموعة أعدت كقيادات عمل لأنشطة البرنامج، وظللت امارس نشاطي إلى ان تخرجت من المدرسة. وسأحاول هنا أن اتعرض لتجربتي بهذا البرنامج كوني أعدها من أعمق التجارب التي مرت بي.
لقد شاركت بعدة نشاطات صحية واجتماعية وترفيهية نقلنا فيها أفكار لمن هم في سننا وللأصغر منا وللأكبر منا وتبادلنا خبرات معهم واكتسبنا معارف ومهارات من خلالهم وتعلمنا كيف نتحمل المسؤولية ونثق بقدراتنا ونجعل الآخرين يؤمنون بها. لقد تعلمنا معنى المشاركة وكيف نتخذ القرار وأيضاً كيف نلهو ونستمتع بكل ذلك وكيف نسمع الغير اصواتنا، فنظمنا المسرحيات وألفنا الأغاني وطوعنا ألحان قصص الأطفال التلفزيونية لخدمة أنشطتنا وخرجنا إلى المجتمع بقضايا بيئة وصحة وسلامة ونظمنا نشاط عن ظاهرة حمل السلاح في المدن اليمنية ونجحنا بنقل افكارها وإحداث بعض التغيير.
انطلقنا بنشاط لمساعدة الأطفال المعوقين واستطعنا عبر منهجية من طفل إلى طفل أن نؤسس أول معهد متخصص للأطفال الصم والمكفوفين وافتتح رسمياً في ديسمبر 1995 م. ثم بدأت أنشطتنا تتلاحق وتكبر مع أحلامنا فنظمنا أول لقاء جمع بين عشرين فتى وفتاة ومعنيين بمؤسسة التربية والتعليم والجامعة في آب 1996. استمرت الندوة ثلاثة أيام تحت عنوان: بناة المستقبل… الواقع والطموح. وفي تشرين أول 1998 تجمعنا مرة أخرى فتيان وفتيات من مدارس مختلفة لنحضر ونعد لملتقى وطني يضم فتية وفتيات من مختلف محافظات الجمهورية لمناقشة مشروع قانون الطفولة الموحد وكان اللقاء الاول من نوعه فلأول مرة يجتمع فتيان وفتيات بلقاء مشترك فسعدنا بتعرفنا على بعضنا البعض وشعرنا بأهمية صوتنا وبقدرتنا على التعبير عن احتياجاتنا وأفكارنا وكونا صداقات جديدة وناقشنا المشروع وطالبنا بإلغاء بعض المواد واقترحنا إضافة مواد أخرى وأبدينا رأينا بضرورة تعديل بعضها وشددنا على بقاء بعضها كما هي بنصوصها الواردة وكانت تجربة لها مذاقها وحلاوتها ومردودها الايجابي.
وتسارعت الاحلام وبدأ الحماس يتدفق لاستضافة اللقاء الاقليمي لبناة المستقبل في اليمن وفي شباط 1999 استضفنا فتيان وفتيات من الاردن ومصر ولبنان وفلسطين واليمن في لقاء ناقشنا فيه اساليب التعلم وتعلمنا مع بعضنا ومن الآخرين وأقمنا جسراً من العلاقات الاخوية لا يمكن إذابته. فكرنا بصورة جماعية وأحببنا بعضنا واختلفنا في الرأي. وفي النهاية توحدنا بالمشاعر والإحساس المشترك لدرجة أننا لم نفكر أنه ستأتي لحظة فراق أقوى من مشاعرنا فافترقنا وانصهرت ارادتنا بتجدد اللقاء والفكر والمشاعر وتحدينا كل الظروف لنقهر الحدود ونتخطى الحواجز السياسية وبنينا شبكة من الاتصالات لا تنقطع. وها أنا الآن في عمان اشارك بهذا اللقاء واجتمع من خلاله وعلى هامشه بأصدقاء تعرفت عليهم في اليمن نتناقش من جديد في إطار يقرب من تباعدنا ونعيش به تجارب بعضنا ويجمعنا بأحبتنا من اصدقائنا ممن التقيناهم ومن لم نلاقيهم…
والله أسأل لي ولهم الهداية والصلاح.