من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
   
     
أنس العيلة
وسيم الكردي
سمر دودين
عبد الرزاق نصار
ابتسام ياسين
يعقوب يوسف الحجي
جليلة شجاع الدين
أحلام محمد عبد الملك
زهرة أحمد حسين
سعدي الحديثي
د. هالة حماد
نجاح السلطي
ديمتري خضر
سيرين حليلة
أنس العيلة
منير فاشه
 

أنس العيلة

كاتب وباحث

مؤسسة عبد المحسن قطان


في هذا الصباح قررت أن أبقى في البيت، لن اذهب للعمل، رغم أن ذلك ليس في صالح سمعتي كموظف نشيط، وأعتقد أن هناك سمعة بأني لست موظفا نشيطا، لذلك فإن غيابي عن العمل لن يفاجيء زملائي الموظفين ومديري العزيز السيد وسيم.
الآن أمامي نهار كامل قررت أن أستثمره بطريقتي الخاصة، بالكتابة، وفي هذا مغامرة؛ لأن الكتابة مزاج، والمزاج غير مواتي دائما. ورغم إحساسي الأولي برغبتي في الكتابة فإنه ليس هناك ضمانات لاستمرار هذه الرغبة. ولأن الوقت ثمين، وثمين جدا، فإنني أعيش مغامرة في هذا اليوم...
ربما يسفر هذا النهار عن نص، وربما يسفر عن ضياع يوم عمل كامل!

... أستطيع فقط أن أبدأ هذا النص بمقدمة كهذه، حين يكون نصا قد ينشر في مجلة لقلب الأمور، أو حين يكون مشاركة لمؤتمر الملتقى التربوي، لأنه فضلا عن الحرية في الكتابة التي أشعر بها، فإن هناك شيء ثمين تعزز لدي خلال مشاركتي في مجلات وأفلام قلب الأمور... وهو الإيمان بالتجربة.

الإيمان بالتجربة يدفعني للحديث عن تفاصيل وهواجس ربما تكون عادية ويومية، ولكنها مهمة ولا تخص أحدا غيري، وربما تتكرر كل يوم في حياتي، فلماذا لا التفت إليها.

حتى أن هذا ساعدني في خوض مغامرة اكبر وهي كتابة رواية، كتابة حياة كاملة لشخص يشبهني وأيضا قادر على أن يحقق تخيلاتي عن نفسي، وأحلامي الغريبة التي لم استطع تحقيقها لأنها لم تسعفني الجرأة بذلك، لكن هذا الشخص استطاع فعل هذا كله.
إيماني بتجربتي يمنحني فرصة خلق حياة كاملة لشخص نصف حياته من خيالي.

الإيمان بالتجربة، هو التوقف عن الخجل والخوف، والتأمل ثم المبادرة بالعمل. أتأمل تجربتي لأنني أؤمن بأن لها قيمة، فلا أخجل بالإفصاح عنها حتى لو كانت مليئة بالأخطاء والحماقات... كنت قد قرأت على كراس قديم لأبي عبارة على الهامش بخط يده :
" أجمل ما في الشباب أخطاؤه"
قرأت هذا منذ حوالي 18 عاما، وظل عالقا بحلقي.كلما ارتكبت حماقة أسعفني أبي بهذه العبارة دون أن يدري.

اليقين في التجربة، أنا بحاجة الآن إلى يقين، يقين قوي حتى لو أنني أبدو رجعيا في هذا الطلب. اعرف تمام المعرفة أن لليقين سمعة سيئة كسمعة الحصار، ولكني في الحقيقة بحاجة له الآن أكثر من حاجتي للشك، لأن الشك أيضا مدمر حين يزيد عن حده، وأنا أعاني من دماره، انه قصف لا يتوقف، أشد بؤسا من القصف الإسرائيلي.

التأمل قد يبدأ بالشك وهذه خطوة منطقية، لكن التأمل في أمر معين يصبح هواجسا حين يزيد عن حده..وأنا تؤكلني الهواجس إلى درجة غير معقولة. أريد فقط النسبة التي يحتاجها جسمي من الهواجس، كما يحتاج لنسبة محددة من الكالسيوم أو البروتين...كذلك النسبة التي يحتاجها من الشك والتأمل واليقين، والأخير رغم أني بحاجة له إلا أني حذر بالتعامل معه.
أتخيل لو أنني أقف في لقاء الملتقى القادم وأقول: "كفانا تأملا"
اعتقد أن إقامتي هناك ستقتصر على يوم واحد، بناء على طلب الجميع!.
وستقول سيرين " شو يا انس بلشت تخربش".

من الضرورة أن تكون الكتابة عن التجربة أمرا ممتعا، لأنها اكتشاف، كأن أكشف غطاء عن صحن موضوع على طاولة المطبخ ويثير لدي الرغبة بمعرفة ما في داخله. حتى لو لم أكن جائعا فسيبقى لدي فضول، فضول الشبعان على الأقل لإزاحة الغطاء. ومع أن المتعة والرغبة ستكونان مضاعفتان إذا كان لدي جوع من يريد أن يكتشف!
نعم، أحيانا يكون الصحن بعيدا، تحتاج لأن تتعب كثيرا للوصول إليه، كأن يكون على الرف الأعلى من الخزانة، ولكنه أحيانا يكون في مرمى يد.

والكتابة عن التجربة ممتعة أيضا لأنها لعب مع الأفكار والمشاعر، إيجاد علاقات بينها، وتفسير لشيء كان غامضا أريد أن أفهمه كأني أمام لغز أو أحجية، أحجيات كالتي أسمعها من صديق يريد امتحان ذكائي، وفي النهاية أحلها أو افشل بذلك. ولكني سأستطيع حل أحجية أخرى على منوالها، أو سأتذكرها كي أستطيع حلها في مرة قادمة إذا نسي انه سألني عنها من قبل.

والكتابة عن التجربة هي إفصاح عنها، ومن الضروري أن يكون الإفصاح مريحا، لأنه يقلل الإحساس بالفردية والعزلة، حين اعرف أن صديقا لي يشعر بما اشعر به من هواجس فإني افرح بذلك، حتى لو كان يعيش هواجسا مرعبة تستدعي التعاطف معه!.

الكتابة تكون مملة وصعبة حين تكون ضد النفس أو بعيدة عنها، حين لا تعبر عن حاجتي بالإفصاح، حين لا تكون عملا يوميا كأن أجلي الصحون فأشعر بالراحة، لأنني عبرت عن رغبتي بالتنظيف من خلال تحقيق التنظيف نفسه. فنفسي ستتوهج أمام صحون تلمع، لأني سأشعر بفرحة أنني أنجزت شيئا ما في ذلك اليوم.

الكتابة تكون ضد النفس، حين لا تستطيع الإفصاح عني، لتصبح وكأنها تفسيرات مغلوطة تزيد الأمر تعقيدا، وتملؤني بأوهام جديدة عن حياتي.

حين لا تكون ترجمة لإحساس في داخلي، بل مفردات راقصة على الورق تريد لفت الانتباه بقفزاتها من عالم لآخر، وحين تصطنع المفارقات البلاغية رغم أن ما أشعر به أقل تعقيدا من ذلك أو أكثر عمقا من ذلك.

الكتابة عن التجربة.
أي تجربة بالضبط؟ هل أستطيع إحصاء تجاربي؟ تجارب كثيرة، منها ما أذكر تفاصيله وأشعر بتأثيره، ومنها ما أصبح في داخلي كأنه الطابق الأول من ناطحة سحاب.

الإيمان بالتجربة يجلب متعة الكتابة عنها، ومتعة الإفصاح عنها. كأن تسمع عجوزا يسكر على كوب شاي، وهو يذهب عميقا في ذاكرته يتحدث عن أمور ربما مشوقة أو ربما لم تعد مهمة بالنسبة لنا، ولكن يجذبنا صوته المليء بالدهشة والحنين من حياة لم يعد يذكرها غيره.

الكتابة أحيانا تسلب المبادرة، تعطل العمل، فالذي لا يفصح بالحديث سيفصح بيده. ولكني اعرف تماما أن هناك أمورا أستطيع الكتابة عنها، وأمورا لا تنفع الكتابة عنها ولا تجدي شيئا.
فلن تلمع الصحون إذا كتبت قصيدة عن النظافة.

في استفتاء قمت به من باب الفضول، سألت مجموعة من الشعراء من أجيال مختلفة: هل تفضل الحصول على امرأة جميلة أم كتابة قصيدة جميلة عنها؟
أجاب جميع الشعراء بدون تردد: الحصول على امرأة جميلة.

كأن الكتابة جاءت من العجز عن الفعل.
وكأن الكتابة عن النفس، جاءت من العجز عن فهم النفس بدون كتابة.




 
 

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved