من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
   
     
وسيم الكردي
وسيم الكردي
سمر دودين
عبد الرزاق نصار
ابتسام ياسين
يعقوب يوسف الحجي
جليلة شجاع الدين
أحلام محمد عبد الملك
زهرة أحمد حسين
سعدي الحديثي
د. هالة حماد
نجاح السلطي
ديمتري خضر
سيرين حليلة
أنس العيلة
منير فاشه
 

وسيم الكردي

استطرادات الكتابة بالجسد
كلام في التجربة الذاتية

وسيم الكردي
مؤسسة عبد المحسن قطان – رام الله


" اليوم كان البارحة، والغد قادم على جدار رمادي ورقة بيضاء على جدار، هذه نافذة! لا إنها الحياة"
مكسيم حمودة[1]

"كلما اتسعت الفكرة ضاقت العبارة" النفري

سآخد هذا الكلام على غير محمله الذي تواضع الناس عليه, فحينما تتسع الفكرة, فأنها لا شك تدخل في التفاصيل وحين تضيق العبارة فهي توشك على الدخول في عالم من التحديد لا يكون تجريدا وانما يكون تجسيدا و التسجيد دخول في التفاصيل، والتفاصيل تحتاج الى عين الرائي والرؤيا بمد اأالف هي الرؤية بلي الألف، فتغدو تاء بالمعنى البصري وبالمعنى البصيري أيضا اذا ماجاز لي نحت هذا التعبير الذي رفضة المصحح اللغوي في الكمبيوتر كما تعود ان يرفض عشرات من الكلمات غيره التي لا أحاول نحتها أو ادعاءها فهو يرفض كثيرا من مألوفات الكلام وبالمقابل فها هو يقبل جمع (مألوف) الى (مألوفات) التي لم تستسغها الذائقة الكلاسيكية وأقتحمها بذائقة ايقاعية من طراز آخر لنعد الى الموضوع بعيدا عن استطرادات الجاحظ و نطنطاته
كنا نقول:

التفاصيل تحتاج الى عين رائية, والرؤيا تحتاج الى المشهد والمشهد يمثل أمام العين فتراه تقلبه، وتتلصص على ثناياه، تخلع أرديته قطعة قطعة, وهنا ينقلب المشهد من صورته أمامنا الى صورته فين العين تحيل المشهد من صورة أمام العين المبصرة إلى صورة في المخيلة وصورة المخيلة تنبني لنراها بعين البصيرة فنرى في الصخرة حصانا أو في الانسان كمان

ماالذي يتيح لي أن أنتقل من صورة كلية جامدة الى صورة تفصيلية حية؟

ماالذي يستطيع أن يقلب المشهد و يعيد انتاج علاقاته مرة أخرى؟

ما الذي يستطيع أن يحمل الصورة الى خيالها و الفكرة إلى صورتها؟

كنت أظن أنها اللغة

فلعبت فيها بمهارة المقلد و بمهارة حذو النعل بالنعل, و درّستها في أول العمر كما شاءت لها المناهج المدرسية أن تدرس تقريبا، درستها مع جنوح بسيط إلى أن ادركت أن اللغة ليست هي المسألة، فكلنا لاجئون الى اللغة نحمل منها ما نحمل وكثيرا ماكنا نأخذ اللغة من كلام الآخرين، الكلام المنجز الجاهز المستهلك فالمسالة هي أن ننتج من اللغة هذه كلامنا، كلامنا الشخصي، قولنا الذي لنا، الكلام الشخصي، والقول الذي يكتسب فرادته، ويسترد عافيته حين يغدو قولي (أنا) و صوتي (انا)، ليست مهمة بلاغته اذا ما كانت هي تلك البلاغة الجاهزة التي تستعار كما تستعير القدم حذاءها أو الرأس قبعتها، فهي بلاغة ميتة أو في أحسنم الاحوال ملائمة للعرض في المتحف لكنها لا تستطيع أن تتآلف مع لحظة حقيقية على رصيف ما في شوارع مدينتنا (رام الله) التي بات يأكلها الاسمنت، ولكم أن تعرفوا ما الذي يمكن أن تفعله بنايات الاسمنت الجاهزة، وتصبح المدينة معبدا للاسمنت لنترك الجاحظ مرة أخرى، واستطراداته، ولنعد الى أول القول

قلنا : كنت أظنها اللغة

ولكنها الكلام، و لكي يكون الكلام، لا بد أن يكون الفرد فردا لا صوت قبيلة أو صدى متحف أو أي شئ آخر غيره، فيغدو (هوهو) و (أن أنا ) و كلانا غارق في تفاصيله، ولكنها التفاصيل التي أحتاج معرفتها فيه كي أعرف ذاتي

" الان هنا" في هذه اللحظة الحية، وفي هذا المكان بالضبط، ومن "الآن- هنا" يمكن أن أتحرك في كل الاتجاهات إلى كل الجهات، ويمكن أن أنتقل عبر زمانين: زمن مضى و زمن آت

"الان- هنا" هي كلمة السر والسحر، هي كلمة البوح والستر، وهي مفتاح الحياة حينما تحتفي بمتناقضاتها، ولكي يبدو الامر احتفاليا تماما، فلابد من الدراما اذن

و رغم أنني احتفيت بالدراما في صغري عبر التمثيل، والنقد المسرحي، الا أن ألقها لم يكن متوهجا، إلى أن جاءت لعنة الالهة على صورة امراة اسمها سمر دودين ألقت بشرارتها، فلمع بصر الدراما في مجالها التربوي - و ليس كما أعرفها في مجالها المسرحي كفن- و لمعت بصيرتها في عيني من تلك اللحظة التي رايت فيها "الشئ" تجريدا وتجسيدا للحياة و كان هذا الشئ "جرة زيتون" في منتصف الغرفة، والمعلمون والمعلمات حولها، ودودين ترقص كساحرة بين العين الرائية والخيال الرائي، لينفرج المشهد أو ينفجر، ثم تلاحقت اللعنات الى أن رايت "الشي" ذاته حاملا البشرية و تاريخها في نسيجه حينما كان الكاتب المسرحي الانجليزي صاحب مسرحية "الملك لير" الثانية يبعث الحياة في "معطف قديم" حينما علمنا في اطار دراسة الماجستير، كيف تبني الدراما عبر الشيء و خيالاته الظاهرة و الكامنة

لنترك الجاحظ مرة اخرى و لنعد الى النص الاصلي كي ندخل في الارتجال ليس خروجا على النص الاصلي بل هو بناء عليه، هو نطفة اولى، ومن هناك تنبعث الارتجالات في كل الاتجاهات، ويتحول العالم بتفاصيله وجزيئياته الى إشارات وتغدو الإشارات علامات، والعلامات رموزا، والرموز تندفع في سياقات التوتر والقلق ليبنى عالم تخيلي يرتد عن الواقع و يرده

(كلمات)[2] كانت التجربة الحقيقية الاولى للنسبة لي لاختراق عالم الكتاب المقرر، والصف المقيد، وهي مجلة العدد الواحد الذي لم يصبح ثاني إثنين اذ هما في المدرسة، تجربة مجهضة، قُصفت من اول الروح، حيث هناك يقف جلادان، كل منهما بسوطه، الأول يحمل سوط ضرورة استكمال المنهاج المدرسي, والثاني سوط ضغط عمل فوق النصاب المدرسي، وفي الحالتين سأكون أمام كماشتين ضاغطتين، ولم أصمد حينها، وسقطت (كلمات ) و لم يكون العبور بها في ذلك الوقت, فانكفأت، ولم يعد الفتيان والفتيات يجدون فسحة ما ليقولوا ما يشاؤون قوله

إنني أتحرك في أفق المشاريع الناقصة، المشاريع الناقصة دوما، التي لا تعطي اجابات حاسمة ونهائية بقدر ما تفسح فضاء لسؤال ما, لاكتشاف أننا نرى ونبصر عبر لعبة الاجساد وحواسها يتكشف عالم من (غرفة بملايين الجدران)[3] وتغدو كتابة المشتركين الصغار، وكانها هي حالتهم اليومية، هذا(الوهم ) الذي سرعان ما ينفقيء عند عتبة المدرسة, أو عند صفحات كتاب مدرسي، لم يعد من الممكن الاستمرار في ادعاء التوازن، إذن لنخرج من غرفة الصف الى فضاء أرحب قد يستطيع أن يدفع الجدران من امام العين ويترك الجسد في فضاءات الحركة التي شيئ لها أن تؤسر كي تبقى حبيسة المقعد كصنم لا يحيل الى اسئلة وخيالات

و أن يقتنع الناس، بعد ذلك، باهمية الكتابة في الحياة امر بالغ الصعوبة!!

أي ظلم هذا الذي أرتكبه، أحاول ان أخلخل جدارا ما لفترة من الوقت - هي بالضرورة قصيرة، ومشنوقة على حبل الزمن المدرسي - ثم يعود الجدار لينتصب مرة اخرى، ما جدوى أن يجد الصغار متعة ما (أدعي تحققها!) لبعض الوقت ثم لا يلبثون ان يعودوا الى مفرمة النظام المدرسي، وتقاليد الكتاب المقرر الذي يحيلنا الى رماد؟!

لم أستطع أن أواظب على التحايل الكتاب المدرسي مع طلبتي، بقصة من هنا، وبرواية من هناك، مختلسا وقتا ما معهم خارج السياق الرسمي مرة في الاسبوع، ثم نقضي بقية الأسبوع في التناطح مع نصوص رديئة، جامدة، وعظيمة لا روح فيها، ولا حياة، خطاب لغوي مشروخ، مهما حاولت زخرفته، أو مراوغته أو التحايل عليه، فإن شرط التواصل معه يبقى غائبا، شرط المتعة، ومن هنا تبدأ الحكاية: المتعة، الخيال، الحرية، التشارك، ولذا فإن الكتابة هي إنتاج المعنى، وإنتاج المعنى يحتاج الى عين، والعين تحتاج إلى رؤيا، والرؤيا كامنة في التفاصيل، والتفاصيل هي التي تمنح اأاشياء معناها، والأشياء هي العالم مكثفا فيها، والمسألة أن نفتح الأشياء، وفتحها لا يتحقق إلا بأجسادنا وخيالاتن نعم بفائض الخيال وليس بفائض القيمة كما هو في عالم الاقتصاد، وكما هو العالم متجه في هذه السنوات

وعفوا للجاحظ مرة اخرى على هذا الاستطراد الاخير، و لكن العمر قصير، و(بيكاس) في رواية سليم بركات "فقهاء الظلام" يقول: "عمر الانسان في الأصل يوم واحد، ومن يعيشون لسنين هم استثناء، يوم واحد يكفي"، يوم واحد مليء بالحياة، بالتفاصيل، بصورنا وبصور الآخرين، ربما يمنح اليوم/الحياة إمكانية تحققها، شرط ان نأخذ النفري بالحسبان حين يقول: "إن لم تقف وراء الوصف، أخذك الوصف"



لإرسال الملاحظات حول هذا العرض:
wkurdi@palnetcom


[1] هو احد طلبتي في مدارس الفرندز، كان في الصف التاسع سنة 1995 حينما كتب قصة بعنوان (امام النافذة و خلف الجدران) و منها أقتبس هذه العبارة
[2] (كلمات ) هي تجربة انتاج مجلة إبداعية من قبل الطلاب في مدارس الفرندز و بمتابعتي، وذلك في العام 1995 غير ان التجربة لم يكتب لها سوى ان تكون العدد الاول و الاخير

[3]عنوان مجموعة شعرية للشاعر محمد الماغوط – سوريا




 
 

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved