من نحن

الرؤيا/المنطلقات

لقاءات و مجاورات

إصدارات

ملتقى فلسطين

 
 
   
     
جليلة شجاع الدين
وسيم الكردي
سمر دودين
عبد الرزاق نصار
ابتسام ياسين
يعقوب يوسف الحجي
جليلة شجاع الدين
أحلام محمد عبد الملك
زهرة أحمد حسين
سعدي الحديثي
د. هالة حماد
نجاح السلطي
ديمتري خضر
سيرين حليلة
أنس العيلة
منير فاشه
 

جليلة شجاع الدين

تجربة في الإدارة المدرسية


جليلة شجاع الدين
مدرسة الشهيد زيد الموشكي، تعز - اليمن


سوف أعطيكم في البداية خلفية عن مدرستنا وبرامج عملنا. نحن من محافظة تعز، اول محافظات الجمهورية من حيث التعداد السكاني وثالث محافظات الجمهورية من حيث الترتيب في الاهمية. يشار إلى صنعاء بأنها العاصمة السياسية و العاصمة الاقتصادية والى تعز بأنها العاصمة الثقافية بتراثها الثقافي والفني التي ظلت لفترة من الفترات تمتاز فيه. وكانت تعز في حكم الإمامة هي عاصمة اليمن وهي كمحافظة فيها الساحل وفيها الخضرة وفيها الجبل، وأعلى جبل فيها ارتفاعه حوالي 3700 متر، وربما كانت هذه البيئة هي التي علمتنا كيف تنسلق الصخور وكيف نتسلق الجبال وغيره…

كان ابناء تعز منفتحين على التعليم واكثر الناس تعطشاً له واكثر الناس الذين التحقوا بالجامعات. وبالرغم من أن أول جامعة افتتحت في صنعاء إلا ان 90% من طلبة هذه الجامعة كانوا من محافظة تعز.

ربما ساعد قربها في ذلك الوقت من مدينة عدن التي كانت ناهضة بحكم الاستعمار البريطاني لها على الانفتاح الثقافي. في السبعينات كنت طالبة في المرحلة الابتدائية. مستوى التعليم في ايامي كان عاليا من كافة النواحي، كان تعليما متكاملا وكان هناك مادة ومنهج. ومع ان المنهج كان مصريا إلا أنه كان منهجا قوميا عرفنا من خلاله مصر وعرفنا فلسطين وأحببنا من خلاله مصر وأحببنا فلسطين وأحببنا الاردن ولبنان وأحببنا اليمن. كان منهجا متكاملا بالنسبة لنا في تلك الفترة، وكنا ندرس الموسيقى بدون تحفظ . كنا كطالبات في محافظة تعز اول حركة نسائية، وكنا نشارك في اسبوع المرور في الشوارع ولم تكن هناك أي مشكلة، ونشارك في العروض الكشفية في ميدان الشهداء. ولكن كانت هناك ضغوط اجتماعية من نوع آخر: مشاكل اسرية وضغط اجتماعي لوضع حدود لتعليم البنات.

حين عدت كمديرة مدرسة عدت إلى جو مختلف كثيراً عما كان عليه عندما كنت طالبة. فالمناخ تتصارع فيه الكثير من التيارات السياسية والتي حاولت إلى حد ما ان تستغل عقول الشباب من الفتيان أو الفتيات لصالح الامور السياسية أو الحزبية والى حركات دينية نسبت خطأ إلى الاسلام وبإسم الاسلام تمارس ضغوط على تعليم الفتاة والحد منه وعدم الانفتاح وغيره. مدينة تعز في السبعينات ليست مدينة تعز في التسعينات، رجعت حوالي ثلاثين سنة عما كانت عليه، رجعت باتجاه سلبي وليس باتجاه ايجابي، بينما أصبحت محافظة صنعاء حيث كانت الفتيات نادراً ما تتعلمن، مجتمع متفتح إلى ابعد الحدود.

استلمت ادارة المدرسة سنة 1989، فأنا مديرة مدرسة منذ احدى عشرة سنة. جئت إلى المدرسة بدون أي خبرة سابقة، لا خبرة ميدانية ولا فلسفة تربوية ولا زلنا حتى اليوم في التربية والتعليم نمشي بدون قانون للتربية في التعليم بل باجتهادات شخصية وبانظمة خاصة. أستطيع أن الخص مرحلة وجودي داخل المدرسة بثلاثة أمور: أولا، مدرستي في الوقت الحالي فيها 40 صف دراسي في الصباح و40 صف دراسي بعد الظهر أي حوالي 80 صف دراسي وتعداد الطالبات 5285 طالبة مرحلة اساسية ومرحلة ثانوية، 269 عامل وعاملة ما بين معلمين ومعلمات وإداريين. هذا هو مجتمعنا، لا يوجد عندنا الوظائف المهنية الدنيا: لا فراش ولا مراسل ولا فراشة: مدرسة فقط فيها معلم وطالب، وهم يصنعون المحيط حولهم. مدرستنا من انظف المدارس داخل الجمهورية كلها، لكن تعلمنا كيف تكون النظافة مسؤولية شخصية ومشتركة.

حين دخلت المدرسة كنت خائفة وأحتاج لمن يحميني ويحمي من حولي. بعد فترة بسيطة مشيت فيها وجدت أن باستطاعتنا مدرسين وطالبات وادارة ان نشكل مع بعضنا البعض فريقا نحمي بعضنا البعض من الداخل، ومن خلال بعض البرامج (مخطط لها وغير مخطط لها) قمنا ببناء علاقات تشاورية مع اولياء الامور لحمايتنا من الخارج. وقد شعرنا بأنه لا يمكن أن ينبع التغيير في المجتمع ما لم تكن البيئة الاولى هي التي تصنع هذا التغيير. بدأنا برامج مع الآباء ومع الأمهات، بالطبع كان من الصعب في البداية ان يأتي أب ويراجع من أجل ابنته فالأب التقليدي لا يشعر أن لابنته اهمية تستدعي ان يحضر من أجلها إلى المدرسة والام هي المسؤولة عن هذا الجانب من منطلق ان هذا ليس من مسؤولية الاب. في بعض القضايا أصرينا على مشاركة اولياء الأمور من الآباء والأمهات، حتى بدأنا نشعر بقوة تحمينا من الخارج وهم أولياء الأمور الذين كانوا سور كبير لحماية المدرسة ولبرامج المدرسة، خاصة عندما تبنينا برامج مختلفة عن برامج التربية والتعليم.

وهنا سوف أطرح مثالا بسيطا يوضح أهمية الحماية للمدرسة. بعد حرب الخليج عاد إلى اليمن الكثير من مغتربي الخليج وخاصة من السعودية وكان لا بد من التحاق بناتهم بالمدارس، وكانت مدرستنا تقع في حي تجمع سكني كبير للعائدين وبالتالي قصدها الكثير منهم. ونتيجة لاختلاف نظم التعليم بين المدارس السابقة ومدارسنا كان لا من أن تنشأ الكثير من المشاكل بيننا وبين الأهالي لتقبل التغيير الحاصل، ولم يكن الأمر بالهين أو السهل حيث اعتادوا مدارس بدون مدرسين. وفي النهاية قررنا معهم السماح لمن ترغب بوضع النقاب في المدرسة أ، تضعه لكننا لا نستطيع تغيير نظام مدرسة من أجل رغبات أقلية. وبدأنا نعاني في كل عام من مشاكل عديدة من جراء وضع النقاب منها سلوكية وأخرى أخلاقية وأخرى تربوية إلى الحد الذي دفع بالبعض إلى انتحال شخصية أخرى، وكنا نتعامل مع كل ذلك بتأن وصبر لا حدود له منطلقين من مهام عملنا كتربويين. ولكن في بعض الأحيان تجاوزت هذه المشاكل الحد المقبول فاضطررنا أن نتعامل مع هذه الحالات الفردية بنوع من الصرامة حيث اضطررت إلى نزع النقاب عن بعض الفتيات من منطلق تربوي بحي وسمحت لهم بتلقي دروسهن على أيدي معلمات واستعبدت دخول أي معلم عليهن حتى لا يكون هناك أي مبرر أمامهن لضرورة التمسك به. وصادف هذا الإجراء في الفترة التي تولى فيها حزب الإصلاح وزارة التربية والتعليم وكان وزير التربية والتعليم (إصلاحيا) ولكنه عرف باعتداله وتفهمهم للمشاكل التربوية، وقد سلمت معظم الهيئات التربوية في تلك الفترة لقادة إصلاحيين وكان مدير مكتب التربية والتعليم بتعز من المتشددين الإسلاميين وقد حارب المدرسة أثناء فترة توليه لمنصبه بكافة الأشكال خاصة وأنه وجدها الوحيدة القادرة على مقاومة قراراته التعسفية بتلاحم وتآزر عجيبين (إدارة – هيئة عاملة – طالبات_ أولياء أمور)، فأصدر قراره إلي بضرورة ارتداء الطالبات للنقاب. وتجاهلت القرار بينما التزمت به مدارس أخرى، ولكنني كنت أشعر أنه لا توجد بالأساس مشكلة داخل المدرسة. وفي إحدى المرات زارني مدير التربية سائلا هل سمحت للطالبات بارتداء النقاب؟ فقلت له لا، قال إذن نسحب المدرسين الذكور من المدرسة، فقلت له عندما تصبح أنت امرأة وتصبح لنا رئاسة لتعليم الفتيات تعال واسحبهم، وقلت له حبذا لو تفرغت أكثر لعملك التربوي واهتممت بالمشاكل التربوية والتعليمية التي نعاني منها. كنت عندما اتخذت هذا القرار أعرف تماما أن التيار المناهض لهذا القرار غير موجود في وسط المدرسة، فنحن قد عملنا على مدى عشر سنوات مع الأهالي والكثير منهم لن يقبلوا وصاية خارجية على بناتهم. قابلت بعض أولوياء أمور الطالبات اللواتي يضعن النقاب وكن ستة عشر طالبة من مجموع عدد الطالبات وتحاورنا وتناقشنا ووضعب بين أيديهم المبررات وتفهموا جميعا القرار عدا اثنين منهم، أحدهم عضو حزب الغصلاح والآخر أحد الشيوخ اللذين أصرا على بقاء بناتهم مرنديات النقاب فاضطررت إلى إبلاغهم بعدم قبولي للفتاتين بالمدرسة إذا لم يقبلوا بأحد الخيارين. بدون شك أثار ذلك حفيظة الحزب وتجمع بعض أعضاء مجلس النواب من الإصلاحيين ومعهم أربعين شخصا وحضروا إلى المدرسة وطلبوا مقابلتي فقلت انه لا يوجد أمر يخصني معهم ومن كان ولي أمر فليتقدم باسم ابتنه وأهلا وسهلا أما غيره فلا، ولم يكن بينهم ولا ولي أمر واحد. فانتدبوا الشيخ/عبد الرحمن قحطان عضو مجلس نواب لينوبهم في مقابلتي فقلت إن كان الشيخ/عبد الرحمن فأهلا وسهلا به فقد كان يوما أستاذا فاضلا لي وهو رجل عرف بتعقله وحكمته وورعه. دخل علي مرحبا فقلت له أهلا وسهلا بك فقال جئت أعرف منك ما هي المشكلة بالضبط يا ابنتي؟ فقلت له: يا شيخ أنت درستني وعلمتني فإن أحسنت فلك وإن أسأت فعليك، وما عرفتني يوما ما خرجت عن الدين. يدعون من الخارج ان هناك مشكلة ولكن لا توجد مشكلة في الداخل. هؤلاء أولياء أمور الطالبات وهؤلاء أمهاتهن وهذا مجلس الآباء ولا يوجد من هو متضرر من نزع النقاب. فسأل ما هو موضوع الطالبتين المفصولتين؟ فقلت له لم نفصل أحدا كل ما في الأمر أنني وضعتهن بين خيارين: إما نزع النقاب داخل الصف أو مغادرة المدرسة، مع أن جميع معلميهن إناث، وهما اختارتا مغادرة المدرسة، فما المشكلة؟ فقال وومضوع فلانة بنت فلان التي فصلت؟ قلت هذه قضية أخرى لم يكن سببها ارتداء النقاب وإن صادف أن كانت من الطالبات المنقبات وسلمته ملفا للطالبة يحتوي على صور ورسائل غير مقبولة وقلت له ايهما برأيك أشد إثما، ما شاهدته أم قضية نزع نقاب داخل صف مدرسي مقدس؟ فقال، ولم يستطع مواصلة ما يقرأه، "أستغفر الله العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله" ودعا لي بالتوفيق.

وخرج إليهم يعتب عليهم أن غرر به بما طرح وأنه لا يوجد مبرر لكل هذه الهجة وأقنعهم بالذهاب. لكن البعض منهم لم يقف عند هذا الحد، يؤججهم مدير مكتب التربية، فصعدوا القضية وأذنوا بالمساجد ولم يبق

حائط أو بوابة إلا وألصقوا عليه ملصقات تسميني الداعية للسفور والمتبرجة والماسونية والعبرانية وكل ما خطر على بالهم. ولمدة سنة كاملة استمروا على هذا المنوال، ولكن ذلك لم يكن يهزني بشيء، وكنت أشعر بأني اقوى منهم بكثير، فأنا بالنهاية صنعت قراري وغيرت في مجتمعي داخل المدرسة وهم كانوا سندي. وكان إذا دخل أحد أولياء أمور طالباتي إلى مسجد يصلي ووجد من يسب يلعن كان يدافع عني. بعد سنة كاملة دعوا إلى اجتماع تصالحي فقلت لهم: "اذا وافقت على الاجتماع بكم من أين لي بمحرم كي أجلس مع الرجال؟" بعدها بسنة مباشرة نفس الاصوات التي أعلنت تبرجي وسفوري أصبحت تناديني بالمربية الفاضلة.

كان اساسي دائماً ودافعي انني والمجتمع معي سواء داخل المدرسة أو خارج المدرسة نؤمن تماماً بالرسالة، فإذا لم يقل من في الداخل عني أنني فاسقة ولا ولي الامر فلا يعني الباقون لي شيئا. فانا حين أستطيع ان اغير في مجتمع مدرسي متكامل أي حين أغير في خمسة آلاف طالبة استطيع ان اعتبر أنني أغير في 5000 اسرة وسنوياً يحدث هذا التغيير. بدون علاقة تشاركية مع الاهل ما لم أكن لأحقق النجاح.

دخلت المدرسة بدون خبرة سابقة، ومع مع هذا انشأت مناهج عديدة دون ترتيب مسبق. اهم القضايا التي تعاملنا معها هي تشجيع التعبير، وحين أتحدث عن البرامج التي قمنا بها فهي لم تكن مدروسة على الاطلاق بل نبعت من العلاقات التشاركية بين المدرسين والطالبات والإدارة. فتحنا بوابة للاذاعة المدرسة معا، ويومياً يتولى صف دراسي اذاعة المدرسة فيخطط للبرامج الاذاعية ويحضر الموضوعات. فقط يكون هناك مدرس مشرف لغوي ولاي تدخل في الموضوعات على الاطلاق. وأصبحت هذه الإذاعة منبرا قويا يعود الطالبات على الوقوف امام مجموعة والتعبير عن مشاكلهم. اعتمدنا المسرح والموسيقى، اعتمدنا الرسم والرحلات المدرسية كأسلوب للتعبير وغيره وغيره… عقدنا المعارض، ونظمنا فعاليات خيرية كثيرة وفعاليات متضامنة. استغلينا كل حدث في موقعه من اجل تشجيع التغيير والتواصل وخروج الفتاة إلى المجتمع إلى ان توصلنا في نوفمبر 97 إلى تنظيم لقاء مشترك لاول مرة من نوعه بين الفتيات والفتيان وظلوا على طاولة واحدة وتحاوروا وتناقشوا ثم جمعناهم في لجنة مشتركة ودعوا فتيان وفتيان من المحافظات المختلفة. وفي اكتوبر 98 نجحوا في تنظيم اول ملتقى للفتية اليمنيين ولأول مرة في تاريخ الجمهورية تلتقي الفتيات والفتيان في هذه السن واستضافتهم المدرسة، وكان المحاضرون من مدارس مختلفة و شاركوا في اللقاءات وطرحوا أمامهم قانون الطفولة وقالوا لهم: هذا قانونكم بيدكم فأعطونا رأيكم فيه. وأخذوا الكثير من الملاحظات وأرسلوها إلى مجلس النواب وتواصلوا مع مجلس النواب على ان يأخذوها بعين الاعتبار بكل المفردات التي وردت من الاطفال. كانت تلك أول مرة يلتقي فيها طفل بطفل من محافظة أخرى أو ولد وبنت. واذكر في أحد أيام الملتقى جاءت الفتيات إلي تشكو من أن الأولاد أغلقوا الباب في وجههن، وحين سألتهن عن رد فعلهن قالوا أنهن دقوا على الباب باستمرار حتى اضطر الأولاد إلى فتحه. في نهاية الملتقى اعتمدنا الغناء وكانت هناك أصوات جميلة بين الفتيات واقنعنا اولياء امورهن بأن يسمحوا لهن بالمشاركة. وما سرني فعلا في النهاية ان اولياء الامور كانوا يحضرون فعاليات بناتهم في نصف الليل، الساعة 11 أو 12 تروّح البنت في وقت كان ممنوع البنت تكون مش موجودة داخل بيتها في المغرب، كل اب وام بنتظر ابنته حتى ينتهي الاحتفال وياخد البنت إلى البيت.

العلاقة الموجودة اليوم كلنا صنعناها داخل المدرسة. انا بقيت في المدرسة أو ما بقيت في المدرسة الان لا يعني عندي شيء، وبالفعل لم يعد يعني لي وجودي داخل المدرسة، فعندما اغيب عن المدرسة شهر أو شهرين كل الامور تمشي داخل المدرسة والمستوى العلمي كثير عالي نحنا في كل سنة دراسية نحتل من 5 إلى 6 مقاعد في الجمهورية ودائماً تتقدم البعثات والطلاب الذين يسافرون للدراسة في الخارج.




 
 

من نحن | إصدارات| لقاءات و مجاورات | الرؤيا/المنطلقات | البوم الصور

 
 اتصل بنا

Copyright © 2009 Arab Education Forum , All Rights Reserved